البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٨٤
وأنا عجوز وما بعده جملتا حال، وانتصب شيخا على الحال عند البصريين، وخبر التقريب عند الكوفيين. ولا يستغنى عن هذه الحال إذا كان الخبر معروفا عند المخاطب، لأنّ الفائدة إنما تقع بهذه الحال، أما إذا كان مجهولا عنده فأردت أن تفيد المخاطب ما كان يجهله، فتجيء الحال على بابها مستغنى عنها.
وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش، شيخ بالرفع. وجوزوا فيه. وفي بعلي أن يكونا خبرين كقولهم : هذا حلو حامض، وأن يكونن بعلى الخبر، وشيخ خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من بعلي، وأن يكون بعلي بدلا أو عطف بيان، وشيخ الخبر. والإشارة بهذا إلى الولادة أو البشارة بها تعجبت من حدوث ولد بين شيخين هرمين، واستغربت ذلك من حيث العادة، لا إنكارا لقدرة اللّه تعالى. قالوا : أي الملائكة أتعجبين؟ استفهام إنكار لعجبها.
قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة، وأن تسبح اللّه وتمجده مكان التعجب. وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم : رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت، أرادوا أنّ هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوّة؟ فليست بمكان عجيب، وأمر اللّه قدرته وحكمته. وقوله : رحمة اللّه وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب، كأنه قيل : إياك والتعجب، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من اللّه عليكم. وقيل : الرحمة النبوة، والبركات الأسباط من بني إسرائيل، لأن الأنبياء منهم، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى. وقيل : رحمته تحيته، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة. وروي أن سارة قالت لجبريل عليه السلام : ما آية ذلك؟ فأخذ عودا يابسا فلواه بين أصابعه، فاهتز أخضر، فسكن روعها وزال عجبها.
وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبرا وهو الأظهر، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. وأهل منصوب على النداء، أو على الاختصاص، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله :
بنا تميما يكشف الضباب. وقوله : ولا الحجاج عيني بنت ماء. وخطاب الملائكة إياها بقولهم : أهل البيت، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت، وقد دل على ذلك أيضا في