البحر المحيط، ج ٦، ص : ١٩١
فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنه مما يمكن أن يتوجه عليه العامل، وهو قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها عن المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، فكان يجب فيه إذ ذاك النصب قولا واحدا. والظاهر أن قوله : ولا يلتفت، من التفات البصر.
وقالت فرقة : من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه، فمعناه : ولا يتثبط. وفي كتاب الزهراوي أنّ المعنى : ولا يلتفت أحد إلى ما خلف بل يخرج مسرعا. والضمير في أنه ضمير الشأن، ومصيبها مبتدأ، وما أصابهم الخبر. ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون مصيبها خبر إن، وما أصابهم فاعل به، لأنهم يجيزون أنه قائم أخواك. ومذهب البصريين أنّ ضمير الشان لا يكون خبره إلا جملة مصرحا بجزأيها، فلا يجوز هذا الإعراب عندهم.
وقرأ عيسى بن عمر : الصبح بضم الباء. قيل : وهي لغة، فلا يكون ذلك اتباعا وهو على حذف مضاف أي : إنّ موعد هلاكهم الصبح. ويروى أن لوطا عليه السلام قال : أريد أسرع من ذلك، فقالت له الملائكة : أليس الصبح بقريب؟ وجعل الصبح ميقاتا لهلاكهم، لأنّ النفوس فيه أودع، والراحة فيه أجمع.
ويروى أن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر، وطوى اللّه له الأرض في وقته حتى نجا، ووصل إلى إبراهيم عليهما السلام.
والضمير في عاليها عائد على مدائن قوم لوط، جعل جبريل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها عليهم، وأتبعوا الحجارة من فوقهم وهي المؤتفكات سبع مدائن. وقيل : خمس عدّها المفسرون، وفي ضبطها إشكال، فأهملت ذكرها. وسدوم هي القرية العظمى، وأمطرنا عليها أي على أهلها. وروي أن الحجارة أصابت منهم من كان خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين، وأنّ رجلا كان في الحرم فبقي الحجر معلقا في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر.
قال أبو العالية، وابن زيد : السجيل اسم لسماء الدنيا، وهذا ضعيف لوصفه بمنضود، وتقدم شرحه في المفردات. وقيل : من أسجله إذا أرسله، وقيل : مما كتب اللّه أن يعذب به من السجل، وسجل لفلان. ومعنى هذه اللفظة : ماء وطين، هذا قول : ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والسدّي، وغيرهم. وذهبوا إلى أنّ الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ. وقيل : حجر مخلوط بطين أي حجر وطين، ويمكن أن يعود هذا إلى الآجر. وقال أبو عبيدة : الشديد من الحجارة الصلب، مسومة عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض قاله : ابن جريج. وقال عكرمة وقتادة : إنه كان فيها بياض. وقيل :
مكتوب على كل حجر اسم من رمى به، قاله الربيع. وعن ابن عباس، والحسن : بياض في