البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢١٠
الرَّحْمنُ «١» هو ناصب كقوله : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا «٢» والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده، إذ اليوم لا يكون وقتا لإتيان اليوم.
وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميرا عائدا على اللّه قال : كقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ «٣»وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
«٤» وجاء ربك، ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء، وقوله : بِإِذْنِهِ «٥» وأجاز أيضا أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله : إلا لأجل معدود، أي ينتهي الأجل يوم يأتي. وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالا من ضمير اليوم المتقدم في مشهود، أو نعتا لأنه نكرة، والتقدير : لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه. وقال ابن عطية : لا تكلم نفس، يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي، وهو العائد على قوله ذلك يوم، ويكون على هذا عائد محذوف تقديره : لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه. ويصح أن يكون قوله : لا تكلم نفس، صفة لقوله : يوم يأتي، أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه. وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل، فإما أن يكون بإذن اللّه، وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى. وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي. وقيل : يوم القيامة يوم طويل له مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم، والضمير في منهم عائد على الناس في قوله : مجموع له الناس. وقال الزمخشري : الضمير لأهل الموقف، ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم، ولأنّ قوله : لا تكلم نفس، يدل عليه، وقد مرّ ذكر الناس في قوله : مجموع له الناس. وقال ابن عطية : فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله :
نفس، إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى. قال ابن عباس : الشقي من كتبت عليه الشقاوة، والسعيد الذي كتبت له السعادة. وقيل : معذب ومنعم، وقيل : محروم ومرزوق، وقيل : الضمير في منهم عائد على أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ذكره ابن الأنباري.
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ

(١) سورة النبأ : ٧٨/ ٣٨.
(٢) سورة النبأ : ٧٨/ ٣٨.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢١٠.
(٤) سورة النحل : ١٦/ ٣٣.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ٢٥٥.


الصفحة التالية
Icon