البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٢٢
«لا، بل للناس عامة»
وانظر إلى الأمر والنهي في هذه الآيات، حيث جاء الخطاب في الأمر، فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «١»، وأقم الصلاة، موحدا في الظاهر، وإن كان المأمور به من حيث المعنى عاما، وجاء الخطاب في النهي : وَلا تَرْكَنُوا «٢» موجها إلى غير الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، مخاطبا به أمته. فحيث كان بأفعال الخير توجه الخطاب إليه، وحيث كان النهي عن المحظورات عدل عن الخطاب عنه إلى غيره من أمته، وهذا من جليل الفصاحة. ولا خلاف أنّ المأمور بإقامتها هي الصلوات المكتوبة، وإقامتها دوامها، وقيل :
أداؤها على تمامها، وقيل : فعلها في أفضل أوقاتها، وهي ثلاثة الأقوال التي في قوله تعالى : وأقيموا الصلاة.
وانتصب طرفي النهار على الظرف. وطرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء، فالذي يظهر أنهما الصبح والعصر، لأنهما طرفا النهار، ولذلك وقع الإجماع، إلا من شذ على أنّ من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمدا أنّ يومه يوم فطر وعليه القضاء والكفارة، وما بعد طلوع الفجر من النهار. وقد ادعى الطبري والماوردي : الإجماع على أنّ أحد الطرفين الصبح، والخلاف في ذلك على ما نذكره. وممن قال : هما الصبح والعصر الحسن، وقتادة، والضحاك، وقال : الزلف المغرب والعشاء، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول، بل هي في غيرها. وقال مجاهد ومحمد بن كعب : الطرف الأول الصبح، والثاني الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء، وليست الصبح في هذه الآية. وقال ابن عباس والحسن أيضا : هما الصبح والمغرب، والزلف العشاء، وليست الظهر والعصر في الآية. وقيل : هما الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء والصبح، وكان هذا القائل راعى الجهر بالقراءة والإخفاء. واختار ابن عطية قول مجاهد، وجعل الظهر من الطرف الثاني ليس بواضح، إنما الظهر نصف النهار، والنصف لا يسمى طرفا إلا بمجاز بعيد.
ورجح الطبري قول ابن عباس : وهو أنّ الطرفين هما الصبح والمغرب، ولا نجعل المغرب طرفا للنهار إلا بمجاز، إنما هو طرف الليل. وقال الزمخشري : غدوة وعشية قال : وصلاة الغدوة الصبح، وصلاة العشية الظهر والعصر، لأنّ ما بعد الزوال عشي، وصلاة الزلف المغرب والعشاء انتهى. ولا يلزم من إطلاق العشي على ما بعد الزوال أن يكون الظهر طرفا للنهار، لأن الأمر إنما جاء بالإقامة للصلاة في طرفي النهار، لا في الغداة والعشي.
(٢) سورة هود : ١١/ ١١٣.