البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٢٧
هداهم اللّه ولطف بهم فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وقال ابن عباس وقتادة : أمة واحدة مؤمنة حتى لا يقع منهم كفر، لكنه تعالى لم يشأ ذلك. وقال الضحاك : لو شاء لجعلهم على هدى أو ضلالة، والظاهر أن قوله : ولا يزالون مختلفين، هو من الاختلاف الذي هو ضد الاتفاق، وأنّ المعنى في الحق والباطل قاله : ابن عباس، وقال مجاهد : في الأديان، وقال الحسن : في الأرزاق والأحوال من تسخير بعضهم لبعض، وقال عكرمة : في الأهواء، وقال ابن بحر : المراد أن بعضهم يخلف بعضا، فيكون الآتي خلفا للماضي. قال : ومنه قولهم : ما اختلف الجديدان، أي خلف أحدهما صاحبه. وإلّا من رحم استثناء متصل من قوله : ولا يزالون مختلفين، ولا ضرورة تدعو إلى أنه بمعنى لكن، فيكون استثناء منقطعا كما ذهب إليه الحوفي. والإشارة بقوله :
ولذلك خلقهم، إلى المصدر المفهوم من قوله : مختلفين، كما قال : إذا نهى السفيه جرى إليه. فعاد الضمير إلى المصدر المفهوم من اسم الفاعل، كأنه قيل : وللاختلاف خلقهم، ويكون على حذف مضاف أي : لثمرة الاختلاف من الشقاوة والسعادة خلقهم. ودل على هذا المحذوف أنه قد تقرر من قاعدة الشريعة أن اللّه تعالى خلق خلقا للسعادة، وخلقا للشقاوة، ثم يسر كلا لما خلق له، وهذا نص في الحديث الصحيح.
وهذه اللام في التحقيق هي لام الصيرورة في ذلك المحذوف، أو تكون لام الصيرورة بغير ذلك المحذوف، أي : خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف. ولا يتعارض هذا مع قوله : وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١» لأنّ معنى هذا الأمر بالعبادة.
وقال مجاهد وقتادة : ذلك إشارة إلى الرحمة التي تضمنها قوله : إلا من رحم ربك، والضمير في خلقهم عائد على المرحومين. وقال ابن عباس، واختاره الطبري : الإشارة بذلك إلى الاختلاف والرحمة معا، فيكون على هذا أشير بالمفرد إلى اثنين كقوله : عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ «٢» أي بين الفارض والبكر. والضمير في خلقهم عائد على الصنفين :
المستثني، والمستثنى منه، وليس في هذه الجملة ما يمكن أن يعود عليه الضمير إلا الاختلاف كما قال الحسن وعطاء، أو الرحمة كما قال مجاهد، وقتادة، أو كلاهما كما قال ابن عباس. وقد أبعد المتأولون في تقدير غير هذه الثلاث، فروي أنه إشارة إلى ما بعده.
وفيه تقديم وتأخير أي : وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولذلك
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٦٨.