البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٤٢
قديما وحديثا، ومن ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري في قصيدته التي بعث بها إلى أولاده وهو في السجن :
وصغيركم عبد العزيز فإنني أطوي لفرقته جوى لم يصغر
ذاك المقدم في الفؤاد وإن غدا كفؤا لكم في المنتمى والعنصر
إن البنان الخمس أكفاء معا والحلي دون جميعها للخنصر
وإذا الفتى بعد الشباب سما له حب البنين ولا كحب الأصغر
ونحن عصبة جملة حالية أي : تفضلهما علينا في المحبة، وهما ابنان صغيران لا كفاية فيهما ولا منفعة، ونحن جماعة عشرة رجال كفاة نقوم بمرافقة، فنحن أحق بزيادة المحبة منهما. وروى النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : ونحن عصبة.
وقيل : معناه ونحن نجتمع عصبة، فيكون الخبر محذوفا وهو عامل في عصبة، وانتصب عصبة على الحال، وهذا كقول العرب : حكمك مسمطا حذف الخبر. قال المبرد : قال الفرزدق :
يا لهذم حكمك مسمطا أراد لك حكمك مسمطأ، واستعمل هذا فكثر حتى حذف استخفا، فالعلم السامع ما يريد القائل كقولك : الهلا واللّه أي : هذا الهلال، والمسمط المرسل غير المردود. وقال ابن الأنباري : هذا كما تقول العرب : إنما العامري عمته، أي يتعمم عمته انتهى. وليس مثله، لأنّ عصبة ليس مصدرا ولا هيئة، فالأجود أن يكون من باب حكمك مسمطا. وقدره بعضهم : حكمك ثبت مسمطا.
وعن ابن عباس : العصبة ما زاد على العشرة، وعنه : ما بين العشرة إلى الأربعين، وعن قتادة : ما فوق العشرة إلى الأربعين، وعن مجاهد : من عشرة إلى خمسة عشر، وعن مقاتل : عشرة، وعن ابن جبير : ستة أو سبعة، وقيل : ما بين الواحد إلى العشرة، وقيل :
إلى خمسة عشر، وعن الفراء : عشرة فما زاد، وعن ابن زيد، والزجاج، وابن قتيبة :
العصبة ثلاثة نفر، فإذا زادوا فهم رهط إلى التسعة، فإذا زادوا فهم عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة عصبة. والضلال هنا هو الهوى قاله ابن عباس، أو الخطأ من الرأي قاله ابن زيد، أو الجور في الفعل قاله ابن كامل، أو الغلط في أمر الدنيا.
روي أنه بعد إخباره لأبيه بالرؤيا كان يضمه كل ساعة إلى صدره، وكأن قلبه أيقن بالفراق فلا يكاد يصبر عنه
والظاهر أنّ