البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٥٠
نرتاد له الغوائل، ونكيد له المكائد، وأوهموا بقولهم : ولو كنا صادقين أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف، فيكون صدقهم مقيدا بهذه النازلة. أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة، لشدّة محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيىء الظن بنا في هذه النازلة، غير واثق بقولنا فيه؟.
روي أنهم أخذوا سخلة أو جديا فذبحوه، ولطخوا قميص يوسف بدمه، وقالوا ليعقوب : هذا قميص يوسف فأخذه، ولطخ به وجهه وبكى، ثم تأمله فلم ير خرقا ولا ارتاب، فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم : متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه؟
قيل : كان في قميص يوسف ثلاث آيات، كان دليلا ليعقوب على أن يوسف لم يأكله الذئب، وألقاه على وجهه فارتد بصيرا، ودليلا على براءة يوسف حين قدّ من دبر. قال الزمخشري :(فإن قلت) : على قميصه ما محله؟ (قلت) : محله النصب على الظرف، كأنه قيل : وجاؤوا فوق قميصه بدم كما تقول : جاء على جماله بأحمال. (فإن قلت) : هل يجوز أن يكون حالا مقدمة؟ (قلت) : لا، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه انتهى. ولا يساعد المعنى على نصب على على الظرف بمعنى فوق، لأن العامل فيه إذ ذاك جاؤوا، وليس الفوق ظرفا لهم، بل يستحيل أن يكون ظرفا لهم. وقال الحوفي : على متعلق بجاءوا، ولا يصح أيضا. وأما المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفا للجائي، لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل، ويكون بأحمال في موضع الحال أي : مصحوبا بأحمال. وقال أبو البقاء : على قميصه في موضع نصب حالا من الدم، لأن التقدير : جاؤوا بدم كذب على قميصه انتهى.
وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو، والمعنى : يرشد إلى ما قاله أبو البقاء.
وقرأ الجمهور : كذب وصف لدم على سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف أي :
ذي كذب، لما كان دالا على الكذب وصف به، وإن كان الكذب صادرا من غيره. وقرأ زيد بن علي : كذبا بالنصب، فاحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال، وأن يكون مفعولا من أجله. وقرأت عائشة، والحسن : كدب بالدال غير معجمة، وفسر بالكدر، وقيل : الطري، وقيل : اليابس، وقال صاحب اللوامح : ومعناه ذي كذب أي : أثر لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها، كالنقش، ويسمى ذلك البياض


الصفحة التالية
Icon