البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٦١
من أهلها. فقال أبو هريرة، وابن عباس، والحسن، وابن جبير، وهلال بن يساف، والضحاك : كان ابن خالتها طفلا في المهد أنطقه اللّه تعالى ليكون أدل على الحجة. وروي في الحديث :«أنه من الصغار الذين تكلموا في المهد» وأسنده الطبري.
وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم :«لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وابن السوداء»
وقيل : كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب، ولا ينافي هذا قول قتادة، كان رجلا حليما من أهلها ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره. وقيل : كان حكما حكمه زوجها فحكم بينهما، وكان الشاهد من أهلها ليكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة. ويحتمل أن يكون معهما في الدار بحيث لا يشعر به، فبصر بما جرى بينهما، فأغضبه اللّه ليوسف، وشهد بالحق. ويبعد قول مجاهد وابن حبيب أنّ الشاهد هو القميص المقدود لقوله : شاهد من أهلها، ولا يوصف القميص بكونه شاهدا من أهل المرأة. وسمى الرجل شاهدا من حيث دل على الشاهد، وهو تخريق القميص.
وقال الزمخشري : سمى قوله شهادة لأنه أدى تأديتها في أن ثبت قول يوسف وبطل قولها، وإن كان قميصه محكي إما بقال مضمرة على مذهب البصريين، وإما بشهد، لأنّ الشهادة قول من الأقوال على مذهب الكوفيين. وكان هنا دخلت عليها أداة الشرط، وتقدم خلاف المبرد والجمهور فيها، هل هي باقية على مضيها ولم تقلها أداة الشرط؟ أو المعنى : أن يتبين كونه. فأداة الشرط في الحقيقة إنما دخلت على هذا المقدر. وجواب الشرط فصدقت وفكذبت، وهو على إضمار قد أي : فقد صدقت، وفقد كذبت. ولو كان فعلا جامدا أو دعاء لم يحتج إلى تقدير قد.
وقرأ الجمهور : من قبل، ومن دبر، بضم الباء فيهما والتنوين. وقرأ الحسن وأبو عمر، وفي رواية : بتسكينها وبالتنوين، وهي لغة الحجاز وأسد. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والعطاردي، وأبو الزناد، ونوح القارئ، والجارود بن أبي سبرة بخلاف عنه : من قبل، ومن دبر، بثلاث ضمات. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي إسحاق، والجارود أيضا في رواية عنهم : بإسكان الباء مع بنائهما على الضم، جعلوها غاية نحو : من قبل. ومعنى الغاية أن يصير المضاف غاية نفسه بعد ما كان المضاف إليه غايته، والأصل إعرابهما لأنهما اسمان متمكنان، وليسا بظرفين. وقال أبو حاتم : وهذا رديء في العربية، وإنما يقع هذا البناء في الظروف. وقال الزمخشري : والمعنى من قبل القميص ومن دبره، وأما التنكير فمعناه من جهة يقال لها : قبل، ومن جهة يقال لها : دبر. وعن ابن أبي إسحاق : أنه قرأ من قبل ومن


الصفحة التالية
Icon