البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٧
أنهم عبدوا من لا يستحق العبادة. وفي قوله : من دون اللّه، دلالة على أنهم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون اللّه. قال ابن عباس : يعنون في الآخرة. وقال النضر بن الحرث : إذا كان يوم القيامة شفعت في اللات والعزى. وقال الحسن : شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا لأنهم لا يقرون بالبعث. وأ تنبئون استفهام على سبيل التهكم بما ادّعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنّ الذي أنبئوا به باطل غير منطو تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه، وما موصولة بمعنى الذي.
قال الزمخشري : بكونهم شفعاء عنده، وهو إنباء ما ليس بمعلوم للّه تعالى، وإذا لم يكن معلوما له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئا لأنّ الشيء ما يعلم ويخبر عنه فكان خبرا ليس له مخبر عنه انتهى. فتكون ما واقعة على الشفاعة، والفاعل بيعلم هو اللّه، والمفعول الضمير المحذوف العائد على ما. وقوله : في السموات ولا في الأرض تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم قاله الزمخشري. وفي التحرير : أتنبئون، معناه التهكم والتقريع والتوبيخ والإنكار، والمعنى على هذا : أتخبرون اللّه بما يعلم خلافه في السموات والأرض، فإن صفات الذات لا يجري فيها النفي. وقيل :
أتخبرون اللّه بما لا يعلمه موجودا في السموات والأرض، فكيف يصح وجود ما لا يعلمه اللّه، وهو كما يقال للرجل : قد قلت كذا، فيقول : ما علم اللّه هذا مني، أي ما كان هذا قط، إذ لو كان لعلمه اللّه انتهى.
والذي يظهر أنّ ما موصول يراد به الأصنام لا الشفاعة التي ادعوها، والفاعل بيعلم ضمير يعود على ما لا على اللّه، وذلك على حذف مضاف والمعنى : قل أتعلمون اللّه بشفاعة الأصنام التي انتفي علمها في السموات والأرض أي : ليست متصفة بعلم البتة، فيكون ذلك ردا عليهم في دعواهم أنها تشفع عند اللّه، لأنّ من كان منتفيا عنه العلم فكيف يشفع وهو لا يعلم من يشفع فيه، ولا ما يشفع فيه، ولا من تشفع عنده؟ كما رد عليهم في العبادة بقوله : ما لا يضرهم ولا ينفعهم، فانتفاء الضر والنفع قادح في العبادة، وانتفاء العلم قادح في الشفاعة، فتبطل العبادة ودعوى الشفاعة، ويكون قوله : في السموات والأرض على هذا تنبيها على محال المعبودات المدعى شفاعتهم، إذ من المعبودات السماوية الكواكب كالشمس والشعرى. وقرىء : أتنبئون بالتخفيف من أنبأ. ولما ذكر تعالى عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع، وكان ذلك إشراكا، استأنف تنزيها بقوله سبحانه وتعالى. وما يحتمل أن