البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٧٠
يذعن إلى مثله، لأنّ تلك أفعال البشر، وهو ليس منهم، إنما هو ملك. وعلى هذا تكون اللام في للّه للتعليل أي : جانب يوسف المعصية لأجل طاعة اللّه، أو لما ذهب قبل. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم، وانتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال : تنزيها للّه. ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال حاشا منونا، وعلى هذا القول يتعلق اللّه بمحذوف على البيان كلك بعد سقيا، ولم ينون في القراآت المشهورة مراعاة لأصله الذي نقل منه وهو الحرف. ألا تراهم قالوا : من عن يمينه، فجعلوا عن اسما ولم يعربوه؟
وقالوا : من عليه فلم يثبتوا ألفه مع المضمر، بل أبقوا عن على بنائه، وقلبوا ألف على مع الضمير مراعاة لأصلها؟ وأما قراءة الحسن وقراءة أبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى ألفه كما قالوا : سبحان اللّه، وهذا اختيار الزمخشري. وقال ابن عطية : وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود فقال أبو علي : إن حاشى حرف استثناء، كما قال الشاعر :
حاشى أبي ثوبان انتهى.
وأما قراءة الحسن حاش بالتسكين ففيها جمع بين ساكنين، وقد ضعفوا ذلك. قال الزمخشري : والمعنى تنزيه اللّه من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله. وأما قوله : حاشى للّه، ما علمنا عليه من سوء، فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله. ما هذا بشرا لما كان غريب الجمال فائق الحسن عما عليه حسن صور الإنسان، نفين عنه البشرية، وأثبتن له الملكية، لما كان مركوزا في الطباع حسن الملك، وإن كان لا يرى. وقد نطق بذلك شعراء العرب والمحدثون قال بعض العرب :
فلست لأنسى ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوب
وقال بعض المحدثين :
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا
وانتصاب بشرا على لغة الحجاز، ولذا جاء : ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ «١» وما منكم من أحد عنه حاجزين، ولغة تميم الرفع. قال ابن عطية : ولم يقرأ به. وقال الزمخشري : ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ بشر بالرفع، وهي قراءة ابن مسعود انتهى. وقرأ الحسن وأبو الحويرث الحنفي : ما هذا بشرى، قال صاحب اللوامح : فيحتمل أن يكون معناه بمبيع أو