البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٧٥
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ : في الكلام حذف تقديره : فسجنوه، فدخل معه السجن غلامان. وروي أنهما كانا للملك الأعظم الوليد بن الريان، أحدهما خبازه، والآخر ساقيه. وروي أن الملك اتهمهما بأن الخابز منهما أراد سمه ووافقه على ذلك الساقي، فسجنهما قاله : السدي. ومع تدل على الصحبة واستحداثها، فدل على أنهم سجنوا الثلاثة في ساعة واحدة. ولما دخل يوسف السجن استمال الناس بحسن حديثه وفضله ونبله، وكان يسلي حزينهم، ويعود مريضهم، ويسال لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأحبه الفتيان ولزماه، وأحبه صاحب السجن والقيم عليه وقال له : كن في أي البيوت شئت فقال له يوسف : لا تحبني يرحمك اللّه، فلقد أدخلت على المحبة مضرات، أحبتني عمتي فامتحنت بمحبتها، وأحبني أبي فامتحنت بمحبته، وأحبتني امرأة العزيز فامتحنت بمحبتها بما ترى. وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن : إني أعبر الرؤيا وأجيد. وروي أن الفتيين قالا له : إنا لنحبك من حين رأيناك فقال :
أنشدكما اللّه أن لا تحباني
، وذكر ما تقدم. وعن قتادة : كان في السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم، فجعل يقول : اصبروا وابشروا تؤجروا إن لهذا لأجرا فقالوا : بارك اللّه عليك، ما أحسن وجهك، وما أحسن خلقك! لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى؟
قال يوسف : ابن صفي اللّه يعقوب، ابن ذبيح اللّه إسحاق ابن خليل اللّه ابراهيم. فقال له عامل السجن : لو استطعت خليت سبيلك.
وهذه الرؤيا التي للفتيين قال مجاهد : رأيا ذلك حقيقة فأرادا سؤاله. وقال ابن مسعود والشعبي : استعملاها ليجرباه. والذي رأى عصر الخمر اسمه بنو قال : رأيت حبلة من كرم لها ثلاثة أغصان حسان، فيها عناقيد عنب حسان، فكنت أعصرها وأسقي الملك. والذي رأى الخبز اسمه ملحب قال : كنت أرى أن أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز، والطير تأكل من أعلاه، ورأى الحلمية جرت مجرى أفعال القلوب في جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متحدي المعنى، فأراني فيه ضمير الفاعل المستكن، وقد تعدى الفعل إلى الضمير المتصل وهو رافع للضمير المتصل، وكلاهما لمدلول واحد.
ولا يجوز أن يقول : اضربني ولا أكرمني. وسمى العنب خمرا باعتبار ما يؤول إليه. وقيل :
الخمر بلغة غسان اسم العنب. وقيل : في لغة أزد عمان. وقال المعتمر : لقيت أعرابيا يحمل عنبا في وعاء فقلت : ما تحمل؟ قال : خمرا، أراد العنب. وقرأ أبي وعبد اللّه :


الصفحة التالية
Icon