البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٨٥
قد صحبه زمانا وجرب صدقه في غير ما شيء كتأويل رؤياه ورؤيا صاحبه، وقوله : لعلي أرجع إلى الناس أي : بتفسير هذه الرؤيا. واحترز بلفظة لعلي، لأنه ليس على يقين من الرجوع إليهم، إذ من الجائز أن يخترم دون بلوغه إليهم. وقوله : لعلهم يعلمون، كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويل الرؤيا. وقيل : لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم، فيطلبونك ويخلصونك من محنتك، فتكون لعل كالتعليل لقوله : أفتنا. قال : تزرعون إلى آخره، تضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول : أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ.
والثاني : عرض رأي وأمر به، وهو قوله : فذروه في سنبله. والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة. قال ابن عطية : ويحتمل هذا أن لا يكون غيبا، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع، ومعلوم أنه الأخصب انتهى. والظاهر أن قوله : تزرعون سبع سنين دأبا خبر، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون السبع لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد. وقال الزمخشري : تزرعون خبر في معنى الأمر كقوله : تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ «١» وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه. والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : فذروه في سنبله انتهى. ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى ازرعوا، بل تزرعون إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين. وأما قوله : فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه. ومعنى دأبا : ملازمة، كعادتكم في المزارعة. وقرأ حفص : دأبا بفتح الهمزة، والجمهور بإسكانها، وهما مصدران لدأب، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي : تدأبون دأبا، فهو منصوب على المصدر. وعند المبرد بتزرعون بمعنى تدأبون، وهي عنده مثل قعد القرفصاء. وقيل : مصدر في موضع الحال أي : دائبين، أو ذوي دأب حالا من ضمير تزرعون. وما في قوله : فما حصدتم شرطية أو موصولة، فذروه في سنبله إشارة برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل، فإذا بقيت فيها انحفظت، والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر. وقرأ السلمي : مما يأكلون بالياء على الغيبة أي : يأكل الناس، وحذف المميز في قوله : سبع شداد أي : سبع سنين شداد، لدلالة قوله : سبع سنين عليه. وأسند