البحر المحيط، ج ٦، ص : ٢٩٨
الإثبات، ولا يقدر فيه معنى النفي. وفي الكلام حذف تقديره : فأجابوه إلى ما طلبه، فلما آتوه موثقهم قال يعقوب : اللّه على ما نقول من طلب الموثق وإعطائه وكيل رقيب مطلع.
ونهيه إياهم أن يدخلوا من باب واحد هو خشية العين، وكانوا أحد عشر لرجل واحد أهل جمال وبسطة قاله : ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، والعين حق. وفي الحديث :«إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر وفي التعوذ ومن كل عين لامة»
وخطب الزمخشري فقال : لأنهم كانوا ذوي بهاء وشارة حسنة، وقد أشهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك والكرامة الخاصة التي لم تكن لغيرهم، فكانوا مظنة لطموح الأبصار إليهم من الوفود، وأن يشار إليهم بالأصابع، ويقال : هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان، وما أحقهم بالإكرام، لأمر ما أكرمهم الملك وقربهم وفضلهم على الوافدين عليه. فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا لجمالهم وجلالة أمرهم في الصدور، ويصيبهم ما يسوءهم، ولذلك لم يوصهم بالتفرق في المرة الأولى، لأنهم كانوا مجهولين معمورين بين الناس انتهى. ويظهر أنّ خوفه عليهم من العين في هذه الكرة بحسب أنّ محبوبه فيهم وهو بنيامين الذي كان يتسلى به عن شقيقه يوسف، ولم يكن فيهم في الكرة الأولى، فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف. وقيل : نهاهم خشية أن يستراب بهم لقول يوسف : أنتم جواسيس. وقيل : طمع بافتراقهم أن يتسمعوا خبر يوسف، ثم نفى عن نفسه أن يغني عنهم شيئا يعني : بوصاته، إن الحكم إلا للّه أي : هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد، فعليه وحده توكلت. ومن حيث أمرهم أبوهم أي : من أبواب متفرقة.
روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم : بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له : إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك، ويشكر صنيعك معنا.
وفي كتاب أبي منصور المهراني : أنه خاطبه بكتاب قرىء على يوسف فبكى. وجواب لما قوله : ما كان يغني عنهم من اللّه من شيء، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا، ظرف زمان بمعنى حين، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية. لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو، فدل ذلك على أنّ لما حرف يترتب جوابه على ما بعده. وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون جواب لما محذوفا مقدرا، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني. ومعنى الجملة : لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر اللّه الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله، وتزايد مصيبته على أبيهم، بل كان إربا ليعقوب قضاه وتطييبا لنفسه. وقيل : معنى ما كان يغني


الصفحة التالية
Icon