البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣١
فاجأوا بالمكر. ولما كانت هذه الجملة كما قلنا تتضمن سرعة المكر منهم قيل : قل اللّه أسرع مكرا فجاءت أفعل التفضيل. ومعنى وصف المكر بالأسرعية : أنه تعالى قبل أن يدبروا مكائدهم قضى بعقابكم، وهو موقعه بكم، واستدرجكم بإمهاله. قال ابن عطية :
أسرع من سرع، ولا يكون من أسرع يسرع، حكى ذلك أبو علي. ولو كان من أسرع لكان شاذا وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«في نار جهنم لهي أسود من القار»
وما حفظ من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فليس بشاذ انتهى. وقيل : أسرع هنا ليست للتفضيل، وحكاية ذلك عن أبيّ على هو مذهب. وفي بناء التعجب وأفعل التفضيل من أفعل ثلاثة مذاهب : المنع مطلقا وما ورد من ذلك فهو شاذ، والجواز مطلقا، والتفصيل بين أن تكون الهمزة فيه للنقل فيمنع، أو لغير النقل فيجوز، نحو : أشكل الأمر وأظلم الليل، وتقرير الصحيح من ذلك هو في علم النحو.
وأما تنظير أسود من القار بأسرع ففاسد، لأن أسود ليس فعله على وزن أفعل، وإنما هو على وزن فعل نحو سود فهو أسود، ولم يمتنع التعجب ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين من نحو : سود وحمر وأدم إلّا لكونه لونا، وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين في الألوان مطلقا، وبعضهم في السواد والبياض فقط.
والرسل هنا الحفظة بلا خلاف. والمعنى : أن ما تظنونه خافيا مطويا عن اللّه لا يخفى عليه، وهو منتقم منكم. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق، وأبو عمرو : رسلنا بالتخفيف. وقرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد، والأعرج، ورويت عن نافع : يمكرون على الغيبة جريا على ما سبق. وقرأ أبو رجاء، وشيبة، وأبو جعفر، وابن أبي إسحاق، وعيسى، وطلحة، والأعمش، والجحدري، وأيوب بن المتوكل، وابن محيصن، وشبل، وأهل مكة، والسبعة : بالتاء على الخطاب مبالغة لهم في الإعلام بحال مكرهم، والتفاتا لقوله : قل اللّه أي : قل لهم، فناسب الخطاب. وفي قوله : إنّ رسلنا التفات أيضا، إذ لم يأت أنّ رسله.
وقال أيوب بن المتوكل في مصحف أبي : يا أيها الناس إنّ اللّه أسرع مكرا، وإن رسله لديكم يكتبون ما تمكرون. وينبغي أن يحمل هذا على التفسير، لأنه مخالف لما أجمع عليه المسلمون من سواد المصحف، والمحفوظ عن أبي القراءة والإقراء بسواد المصحف.
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ : مناسبة هذه الآية لما