البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣١٣
أي : حين واثقناك، إنما قصدنا أن لا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه. وقال الزمخشري : وما كنا للغيب حافظين، وما علمنا أنه يسترق حين أعطيناك الموثق، أو ربما علمنا أنك تصاب كما أصبت بيوسف. ومن غريب التفسير أن المعنى قولهم : للغيب، لليل والغيب الليل بلغة حمير، وكأنهم قالوا : وما شهدنا إلا بما علمنا من ظاهر حاله، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو، أو التدليس عليه. وفي الكلام حذف تقديره : رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بالقصة. وقول من قال : ارجعوا ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها وهي مصر قاله : ابن عباس أي : أرسل إلى القرية واسأل عن كنه القصة. والعير كانوا قوما من كنعان من جران يعقوب. وقيل : من أهل صنعاء. فالظاهر أن ذلك على إضمار أهل كأنه قيل : وسل أهل القرية وأهل العير، إلا إن أريد بالعير القافلة، فلا إضمار في قوله والعير. وأحالوا في توضيح القصة على ناس حاضرين الحال فيشهدون بما سمعوا، وعلى ناس غيب يرسل إليهم فيسألون. وقالت فرقة : بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة، ومن حيث هو نبي، ولا يبعد أن يخبره بالحقيقة، وحذف المضاف هو قول الجمهور. قال ابن عطية : وهذا مجاز. وحكى أبو المعالي عن بعض المتكلمين أنه قال : هذا من الحذف وليس من المجاز قال : وإنما المجاز لفظة استعيرت لغير ما هي له قال : وحذف المضاف هو عين المجاز، وعظمه هذا مذهب سيبويه وغيره. وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا انتهى. وفي المحصول لأبي عبد اللّه محمد الرازي، وفي مختصراته أنّ الإضمار والمجاز متباينان ليس أحدهما قسما من الآخر. وبل للإضراب، فيقتضي كلاما محذوفا قبلها حتى يصح الإضراب فيها وتقديره : ليس الأمر حقيقة كما أخبرتم، بل سولت.
قال ابن عطية : والظاهر أنّ قوله بل سولت لكم أنفسكم أمرا، إنما هو ظن سوء بهم كما كان في قصة يوسف قبل، فاتفق أنّ صدق ظنه هناك، ولم يتحقق هنا. وقال الزمخشري : بل سولت لكم أنفسكم أمرا أردتموه، وإلا فما أدرى ذلك الرجل أنّ السارق يؤخذ بسرقته لو لا فتواكم وتعليمكم. وتقدم شرح سولت، وإعراب فصبر جميل. ثم ترجى أن اللّه يجمعهم عليه وهم : يوسف، وبنيامين، وكبيرهم على الخلاف الذي فيه. وترجى يعقوب للرؤيا التي رآها يوسف، فكان ينتظرها ويحسن ظنه باللّه في كل حال. ولما أخبر به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه، ووصفه اللّه بهاتين الصفتين لائق بما يؤخره تعالى من لقاء بنيه، وتسليم لحكمة اللّه فيما جرى عليه.
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. قالُوا