البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٢٢
فبشارة إلى آخره، فعلى طريق المعتزلة، فإنّ الغفران لا يكون إلا لمن تاب. قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم لأنه أول أوقات العفو، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة. وأجاز الحوفي أن يكون عليكم في موضع الصفة لتثريب، ويكون الخبر اليوم، وهو وجه حسن. وقيل : عليكم بيان كلك في قولهم : سقيا لك، فيتعلق بمحذوف. ونصوا على أنه لا يجوز أن يتعلق عليكم بتثريب، لأنه كان يعرب، فيكون منونا لأنه يصير من باب المشبه بالمضاف. ولو قيل : إن الخبر محذوف، وعليكم متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب، وذلك المحذوف هو العامل في اليوم وتقديره : لا تثريب يثرب عليكم اليوم، كما قدروا في لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ «١» أي : يعصم اليوم، لكان وجها قويا، لأنّ خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز، ولم يلفظ به بنو تميم. ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن اللّه بالصفة التي هي سبب الغفران، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء، فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة.
والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي : مصحوبين أو ملتبسين به. وقيل : للتعدية أي : اذهبوا بقميصي، أي احملوا قميصي.
قيل : هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه، وكان من الجنة، أمره جبريل عليه السلام أن يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي. وقيل : كان لابراهيم كساه اللّه إياه من الجنة حين خرج من النار، ثم لإسحاق، ثم ليعقوب، ثم ليوسف.
وقيل : هو القميص الذي قدّ من دبر، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة. والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد، قال ذلك : ابن عطية. وهكذا تتبين الغرابة في أن وجد يعقوب ريحه من بعد، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد. وقوله : فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن، إما بإعلامهم، وإما بوحي. وقوله :
يأت بصيرا، يظهر أنه بوحي. وأهلوه الذين أمر بأن يؤتى بهم سبعون، أو ثمانون، أو ثلاثة وتسعون، أو ستة وتسعون، أقوال أولها للكلبي وثالثها لمسروق. وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليه السلام ستمائة ألف. ومعنى :
يأت، يأتيني، وانتصب بصيرا على الحال.
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ. قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ

(١) سورة هود : ١١/ ٤٣.


الصفحة التالية
Icon