البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٢٤
بقوله : تفندون، الظاهر من تناسق الضمائر أنه عائد على من كان بقي عنده من أولاده غير الذين راحوا يمتارون، إذ كان أولاده جماعة. وقيل : المخاطب ولد ولده ومن كان بحضرته من قرابته. والضلال هنا لا يراد به ضد الهدى والرّشاد، قال ابن عباس : المعنى إنك لفي خطئك، وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة بنيامين، ولذلك يقال له : ذو الحزنين. وقال مقاتل : الشقاء والعناء. وقال ابن جبير : الجنون، ويعني واللّه أعلم غلبة المحبة. وقيل :
الهلاك والذهاب من قولهم : ضل الماء في اللبن أي : ذهب فيه. وقيل : الحب، ويطلق الضلال على المحبة. وقال ابن عطية : ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به، وقد تأوله بعض الناس على ذلك، ولهذا قال قتادة : قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم، ولا لنبي اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الزمخشري : لفي ذهابك عن الصواب قدما في إفراط محبتك ليوسف، ولهجك بذكره، ورجائك لقاءه، وكان عندهم أنه قد مات.
روي عن ابن عباس أنّ البشير كان يهوذا، لأنه كان جاء بقميص الدم. وقال أبو الفضل الجوهري : قال يهوذا لإخوته : قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص القرحة، فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة فتركوه، وقال هذا المعنى : السدي. وأن تطرد زيادتها بعد لما، والضمير المستكن في ألقاه عائد على البشير، وهو الظاهر، هو لقوله : فألقوه. وقيل : يعود على يعقوب، والظاهر أنه أريد الوجه كله كما جرت العادة أنه متى وجد الإنسان شيئا يعتقد فيه البركة مسح به وجهه. وقيل : عبر بالوجه عن العينين لأنهما فيه. وقيل : عبر بالكل عن البعض. وارتدّ عدّه بعضهم في أخوات كان، والصحيح أنها ليست من أخواتها، فانتصب بصيرا على الحال والمعنى : أنه رجع إلى حالته الأولى من سلامة البصر. ففي الكلام ما يشعر أنّ بصره عاد أقوى مما كان عليه وأحسن، لأنّ فعيلا من صيغ المبالغة، وما عدل من مفعل إلى فعيل إلا لهذا المعنى انتهى. وليس كذلك لأنّ فعيلا هنا ليس للمبالغة، إذ فعيل الذي للمبالغة هو معدول عن فاعل لهذا المعنى. وأما بصيرا هنا فهو اسم فاعل من بصر بالشيء، فهو جار على قياس فعل نحو ظرف فهو ظريف، ولو كان كما زعم بمعنى مبصر لم يكن للمبالغة أيضا، لأنّ فعيلا بمعنى مفعل ليس للمبالغة نحو : أليم وسميع بمعنى مؤلم ومسمع.
وروي أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف؟ قال : ملك مصر. قال : ما أصنع بالملك؟ قال :
على أي دين تركته؟ قال : على الإسلام، قال : الآن تمت النعمة. وقال الحسن : لم يجد البشير عند يعقوب شيئا يبيته به وقال : ما خبرنا شيئا منذ سبع ليال، ولكن هون اللّه عليك سكرات الموت.
وقال الضحاك : رجع إليه بصره بعد العمى، والقوة بعد الضعف،


الصفحة التالية
Icon