البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٢٦
قال : السلام عليك يا مذهب الأحزان. وقيل : إن يوسف قال له لما التقيا : يا أبت، بكيت عليّ حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال : بلى، ولكن خشيت أن تسلب دينك، فيحال بيني وبينك.
آوى إليه أبويه أي : ضمهما إليه وعانقهما، والظاهر أنهما أبوه وأمه راحيل. فقال الحسن وابن إسحاق : كانت أمه بالحياة. وقيل : كانت ماتت من نفاس بنيامين، وأحياها له ليصدق رؤياه في قوله : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «١» حكي هذا عن الحسن وابن إسحاق أيضا. وقيل : أبوه وخالته، وكان يعقوب تزوجها بعد موت راحيل، والخالة أم. روي عن ابن عباس، وكانت ربت يوسف، والرابة تدعى أمّا.
وقال بعضهم : أبوه وجدته أم أمه، حكاه الزهراوي. وفي مصحف عبد اللّه آوى إليه أبويه وإخوته.
وظاهر قوله : ادخلوا مصر، إنه أمر بإنشاء دخول مصر. قال السدي : قال لهم ذلك وهم في الطريق حين تلقاهم انتهى. فيبقى قوله : فلما دخلوا على يوسف كأنه ضرب له مضرب، أو بيت حالة التلقي في الطريق فدخلوا عليه فيه. وقيل : دخلوا عليه في مصر.
ومعنى ادخلوا مصر أي : تمكنوا منها واستقروا فيها. والظاهر تعلق الدخول على مشيئة اللّه لما أمرهم بالدخول، علق ذلك على مشيئة اللّه، لأن جميع الكائنات إنما تكون بمشيئة اللّه، وما لا يشاء لا يكون. وقال الزمخشري : التقدير ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين، إن شاء اللّه دخلتم آمنين، ثم حذف الجزاء لدلالة الكلام، ثم اعترض بالجملة الجزائية بين الحال وذي الحال. ومن بدع التفاسير أن قوله : إن شاء اللّه، من باب التقديم والتأخير، وأن موضعه بعد قوله : سوف أستغفر لكم ربي في كلام يعقوب انتهى. وهذا البدع من التفسير مروي عن ابن جريج، وهو في غاية البعد، بل في غاية الامتناع.
والعرش سرير الملك. ولما دخل يوسف مصر وجلس في مجلسه على سريره، واجتمعوا إليه، أكرم أبويه فرفعهما معه على السرير. ويحتمل أن يكون الرفع والخرور قبل دخول مصر بعد قوله : ادخلوا مصر، فكان يكون في قبة من قباب الملوك التي تحمل على البغال أو الإبل، فحين دخلوا إليه آوى إليه أبويه وقال : ادخلوا مصر، ورفع أبويه. وخروا له، والضمير في وخروا عائد على أبويه وعلى إخوته. وقيل : الضمير في وخروا عائد على إخوته وسائر من كان يدخل عليه لأجل هيبته، ولم يدخل في الضمير أبواه، بل رفعهما على