البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٣٢
الضاد، ومكان يمرون يمشون، والمراد : ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر.
وهم مشركون جملة حالية أي : إيمانهم ملتبس بالشرك. وقال ابن عباس : هم أهل الكتاب، أشركوا باللّه من حيث كفروا بنبيه، أو من حيث ما قالوا في عزير والمسيح. وقال عكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد : هم كفار العرب أقروا بالخالق الرازق المحيي المميت، وكفروا بعبادة الأوثان والأصنام. وقال ابن عباس : هم الذين يشبهون اللّه بخلقه.
وقيل : هم أهل مكة قالوا : اللّه ربنا لا شريك له، والملائكة بناته، فأشركوا ولم يوحدوا.
وعن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والشعبي، وقتادة أيضا ذلك في تلبيتهم يقولون :
لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وفي الحديث كان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك يقول له :«قط قط»
أي قف هنا ولا تزد إلا شريك هو لك. وقيل : هم الثنوية قالوا بالنور والظلمة. وقال عطاء : هذا في الدعاء ينسى الكفار ربهم في الرخاء، فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء. وقيل : هم المنافقون، جهروا بالإيمان وأخفوا الكفر. وقيل : على بعض اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا عيسى.
وقيل : قريش لما غشيهم الدخان في سني القحط قالوا : إنا مؤمنون، ثم عادوا إلى الشرك بعد كشفه. وقيل : جميع الخلق مؤمنهم بالرسول وكافرهم، فالكفار تقدم شركهم، والمؤمنون فيهم الشرك الخفي، وأقربهم إلى الكفر المشبهة. ولذلك قال ابن عباس : آمنوا محملا، وكفروا مفصلا. وثانيها من يطيع الخلق بمعصية الخالق، وثالثها من يقول : نفعني فلان وضرّني فلان.
أفأمنوا : استفهام إنكار فيه توبيخ وتهديد، غاشية نقمة تغشاهم أي، تغطيهم كقوله :
يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ «١» وقال الضحاك : يعني الصواعق والقوارع انتهى. وإتيان الغاشية يعني في الدنيا، وذلك لمقابلته بقوله أو تأتيهم الساعة أي يوم القيامة، بغتة أي : فجأة في الزمان من حيث لا يتوقع، وهم لا يشعرون : تأكيد لقوله بغتة. قال الكرماني : لا يشعرون بإتيانها أي : وهم غير مستعدين لها. قال ابن عباس :
تأخذهم الصيحة على أسواقهم ومواضعهم. وقرأ أبو حفص، وبشر بن عبيد : أو يأتيهم الساعة.
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ

(١) سورة العنكبوت : ٢٩/ ٥٥. [.....]


الصفحة التالية
Icon