البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٣٥
يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات، فصاروا في حيز من يعتبر بعاقبته، فلهذا المضمن حسن أن يدخل حتى في قوله : حتى إذا استيأس الرسل انتهى. ولم يتحصل لنا من كلامه شيء يكون ما بعد حتى غاية له، لأنه علق الغاية بما ادعى أنه فهم ذلك من قوله : أفلم يسيروا الآية. وقال أبو الفرج بن الجوزي : المعنى متعلق بالآية الأولى فتقديره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يدعوا قومهم فكذبوهم، وصبروا وطال دعاؤهم، وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس الرسل. وقال القرطبي في تفسيره : المعنى وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا، ثم لم نعاقب أممهم بالعقاب حتى إذا استيأس الرسل. وقرأ أبي، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وطلحة، والأعمش، والكوفيون : كذبوا بتخفيف الذال،
وباقي السبعة، والحسن وقتادة، ومحمد بن كعب، وأبو رجاء، وابن أبي مليكة، والأعرج وعائشة بخلاف عنها بتشديدها. وهما مبنيان للمفعول، فالضمائر على قراءة التشديد عائدة كلها على الرسل، والمعنى : إن الرسل أيقنوا أنهم كذبهم قومهم المشركون. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الظن على بابه يعني من ترجيح أحد الجائزين قال : والضمير للرسل، والمكذبون مؤمنون أرسل إليه أي : لما طالت المواعيد حسبت الرسل أنّ المؤمنين أولا قد كذبوهم وارتابوا بقولهم. وعلى قراءة التخفيف، فالضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم لتقدمهم في الذكر في قوله : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، ولأنّ الرسل تستدعي مرسلا إليهم، وفي أنهم. وفي قد كذبوا عائد على الرسل، والمعنى : وظن المرسل إليهم أنّ الرسل قد كذبهم من ادعوا أنه جاءهم بالوحي عن اللّه وبنصرهم، إذ لم يؤمنوا به.
ويجوز في هذه القراءة أن تكون الضمائر الثلاثة عائدة على المرسل إليهم أي : وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبهم الرسل فيما ادعوه من النبوّة، وفيما يوعدون به من لم يؤمن بهم من العذاب. وهذا مشهور قول ابن عباس، وتأويل عبد اللّه وابن جبير ومجاهد. ولا يجوز أن تكون الضمائر في هذه القراءة عائدة على الرسل، لأنهم معصومون، فلا يمكن أن يظن أحد منهم أنه قد كذبه من جاءه بالوحي عن اللّه. وقال الزمخشري في هذه القراءة : حتى إذا استيأسوا من النصر وظنوا أنهم قد كذبوا أي : كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم أنهم ينصرون أو رجاهم كقوله : رجاء صادق ورجاء كاذب. والمعنى : أنّ مدة التكذيب والعداوة من الكفار، وانتظار النصر من اللّه وتأميله قد تطاولت عليهم وتمادت، حتى استشعروا القنوط، وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا، فجاءهم نصرنا فجأة من غير احتساب انتهى. فجعل الضمائر كلها للرسل، وجعل الفاعل الذي صرف من قوله : قد كذبوا، إما أنفسهم، وإما