البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٤٥
تدعمها، ولا فوقها علاقة تمسكها. وأبعد من ذهب إلى أنّ ترونها خبر في اللفظ ومعناه الأمر أي : رها وانظروا هل لها من عمد؟ وتقدم تفسير ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ «١» قال ابن عطية : ثم هنا لعطف الجمل لا للترتيب، لأنّ الاستواء على العرش قبل رفع السموات. وفي الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«كان اللّه ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض»
انتهى. وسخر الشمس والقمر أي : ذللهما لما يريد منهما. وقيل : لمنافع العباد. وعبر بالجريان عن السير الذي فيه سرعة، وكل مضافة في التقدير، والظاهر أنّ المحذوف هو ضمير الشمس والقمر أي : كليهما يجري إلى أجل مسمى. وقال ابن عطية : والشمس والقمر في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب، ولذلك قال :
كل يجري لأجل مسمى، أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر من المسخر، وكل لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة انتهى. وشرح كل بقوله أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر ما أخرج الشمس والقمر من ذكر جريانهما إلى أجل مسمى، وتحريره أن يقول على زعمه : إن الكواكب في ضمن ذكرهما أي، ومما هو في معناهما إلى أجل مسمى. وقال ابن عباس : منازل الشمس والقمر وهي الحدود التي لا تتعداها، قدر لكل منهما سيرا خاصا إلى جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء. وقيل : الأجل المسمى هو يوم القيامة، فعند مجيئه ينقطع ذلك الجريان والتسيير كما قال تعالى : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ «٢» وقال :
وجمع الشمس والقمر، ومعنى تدبير الأمر إنفاذه وإبرامه، وعبر بالتدبير تقريبا للأفهام، إذ التدبير إنما هو النظر في إدبار الأمور وعواقبها وذلك من صفات البشر، والأمر أمر ملكوته وربوبيته، وهو عام في جميع الأمور من إيجاد وإعدام وإحياء وإماتة وإنزال وحي وبعث رسل وتكليف وغير ذلك. وقال مجاهد : يدبر الأمر يقضيه وحده، ويفصل الآيات يجعلها فصولا مبينة مميزا بعضها من بعض. والآيات هنا دلائله وعلاماته في سمواته على وحدانيته، أو آيات الكتب المنزلة، أو آيات القرآن أقوال.
وقرأ النخعي، وأبو رزين، وابان بن ثعلب، عن قتادة : ندبر الأمر نفصل بالنون فيهما، وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما، وافق في نفصل بالنون الخفاف، وعبد الواحد عن أبي عمرو، وهبيرة عن حفص. وقال صاحب اللوامح : جاء عن الحسن والأعمش نفصل بالنون فقط. وقال المهدوي : لم يختلف في يدبر، أو ليس كما قال؟ إذ قد تقدمت قراءة ابان. ونقل الداني عن الحسن : والذي تقتضيه الفصاحة أن هاتين الجملتين
(٢) سورة التكوير : ٨١/ ١.