البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٤٧
والمعنى : جبالا رواسي، وفواعل الوصف لا يطرد إلا في الإناث، إلا أنّ جمع التكسير من المذكر الذي لا يعقل يجري مجرى جمع الإناث. وأيضا فقد غلب على الجبال وصفها بالرواسي، وصارت الصفة تغني عن الموصوف، فجمع جمع الاسم كحائط وحوائط وكاهل وكواهل. وقيل : رواسي جمع راسية، والهاء للمبالغة، وهو وصف الجبل.
كانت الأرض مضطربة فثقلها اللّه بالجبال في أحيازها فزال اضطرابها، والاستدلال بوجود الجبال على وجود الصانع القادر الحكيم. قيل : من جهة أنّ طبيعة الأرض واحدة، فحصول الجبل في بعض جوانبها دون بعض لا بد أن يكون بتخليق قادر حكيم، ومن جهة ما يحصل منها من المعادن الجوهرية والرخامية وغيرها كالنفط والكبريت يكون الجبل واحدا في الطبع، وتأثير الشمس واحد دليل على أنّ ذلك بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات، ومن جهة تولد الأنهار منها. قيل : وذلك لأنّ الجبل جسم صلب، ويتصاعد بخاره من قعر الأرض إليه ويحتبس هناك، فلا يزال يتكامل فيه فيحصل بسببه مياه كثيرة، فلقوتها تشق وتخرج وتسيل على وجه الأرض، ولهذا في أكثر الأمر إذا ذكر اللّه تعالى الجبال ذكر الأنهار كهذه الآية. وكقوله : وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً «١» وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً «٢» فقال المفسرون : الأنهار المياه الجارية في الأرض. وقال الكرماني : مسيل الماء، وتقدم الكلام في الأنهار في أوائل سورة البقرة. والظاهر أنّ قوله : من كل الثمرات متعلق بجعل. ولما ذكر الأنهار ذكر ما ينشأ عنها وهو الثمرات، والزوج هنا الصنف الواحد الذي هو نقيض الاثنين، يعني أنه حين مد الأرض جعل ذلك، ثم تكثرت وتنوعت. وقيل : أراد بالزوجين الأسود والأبيض، والحلو والحامض، والصغير والكبير، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة. وقال ابن عطية : وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة موجود فيها نوعان، فإن اتفق أن يوجد من ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية. وقال الكرماني : الزوج واحد، والزوج اثنان، ولهذا قيد ليعلم أنّ المراد بالزوج هنا الفرد لا التثنية، فيكون أربعا. وخص اثنين بالذكر، وإن كان من أجناس الثمار ما يزيد على ذلك لأنه الأقل، إذ لا نوع تنقص أصنافه عن اثنين انتهى.
ويقال : إن في كل ثمرة ذكر وأنثى، وأشار إلى ذلك الفراء. وقال أبو عبد اللّه الرازي : لما خلق اللّه تعالى العالم وخلق فيه الأشجار، خلق من كل نوع من الأنواع اثنين فقط. فلو قال : خلق
(٢) سورة النحل : ١٦/ ١٥.