البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٦٧
قوله :«كلمة الحق» للدلالة على أنّ الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل، والمعنى : أن اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤله إن كانت مصلحة له، فكانت دعوته ملابسة للحق لكونه حقيقا بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدي دعاؤه. والثاني : أن تضاف إلى الحق الذي هو اللّه عز وجل على معنى دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب. وعن الحسن رحمه اللّه : الحق هو اللّه تعالى، وكل دعاء إليه دعوة الحق انتهى. وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الزمخشري لا يظهر، لأنّ مآله إلى تقدير : للّه دعوة اللّه، كما تقول : لزيد دعوة زيد، وهذا التركيب لا يصح. والذي يظهر أن هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة كقوله : ولدار الآخرة على أحد الوجهين، والتقدير : للّه الدعوة الحق بخلاف غيره فإنّ دعوتهم باطلة، والمعنى : أن اللّه تعالى الدعوة له هي الدعوة الحق. ولما ذكر تعالى جدال الكفار في اللّه تعالى، وكان جدالهم في إثبات آلهة معه، ذكر تعالى أنه له الدعوة الحق أي : من يدعو له فدعوته هي الحق، بخلاف أصنامهم التي جادلوا في اللّه لأجلها، فإن دعاءها باطل لا يتحصل منه شيء. فقال : وَالَّذِينَ يَدْعُونَ «١». قال الزمخشري : والآلهة الذين يدعونهم الكفار من دون اللّه لا يستجيبون لهم بشيء من طلباتهم إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه أي : كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه، يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه، ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه.
وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم، ولا يستطيع إجابتهم، ولا يقدر على نفعهم.
وقيل : شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه، فبسطهما ناشرا أصابعه فلم تبق كفاه منه شيئا، ولم يبلغ طلبته من شربه انتهى. فالضمير في يدعون عائد على الكفار، والعائد على الذين محذوف أي : يدعونهم. ويؤيده قراءة من قرأ بالتاء في تدعون، وهي قراءة اليزيدي عن أبي عمر. وقيل : الذين أي : الكفار الذين يدعون، ومفعول يدعون محذوف أي : يدعون الأصنام. والعائد على الذين الواو في يدعون، والواو في لا يستجيبون عائد في هذا القول على مفعول يدعون المحذوف، وعلى القول الأول على الذين. قال ابن عباس : كالناظر إلى خياله في الماء يريد تناوله، فكذا المحتاج يخيل إليه في الاحتياج إليه خيال الاحتياج إليه. وقال الضحاك : كمن بسط يديه