البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٧١
نفعا ولا ضرا، ومن بهذه المثابة فكيف يملك لهم نفعا أو ضرا؟ ثم مثل ذلك حالة الكافر والمؤمن، ثم حالة الكفر والإيمان، وأبرز ذلك في صورة الاستفهام للذي يبادر المخاطب إلى الجواب فيه من غير فكر ولا روية بقوله : قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ ثم انتقل إلى الاستفهام عن الوصفين القائمين بالكافر وهو : الظلمات، وبالمؤمن وهو النور. وتقدم الكلام في جمع الظلمات وإفراد النور في سورة البقرة.
وقرأ الأخوان وأبو بكر : أم هل يستوي بالياء، والجمهور بالتاء، أم في قوله : أم، هل منقطعة تتقدو ببل؟ والهمزة على المختار، والتقدير : بل أهل تستوي؟ وهل وإن نابت عن همزة الاستفهام في كثير من المواضع فقد جامعتها في قول الشاعر :
أهل رأونا بوادي القفر ذي الاكم وإذا جامعتها مع التصريح بها فلأنّ تجامعها مع أم المتضمنة لها أولى، وهل بعد أم المنقطعة يجوز أن يؤتى بها لشبهها بالأدوات الاسمية التي للاستفهام في عدم الأصالة فيه كقوله : أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ «١» ويجوز أن لا يؤتى بها بعد أم المنقطعة، لأن أم تتضمنها، فلم يكونوا ليجمعوا بين أم والهمزة لذلك. وقال الشاعر في عدم الإتيان بهل بعد أم والإتيان بها :
هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته إثر الأحبة يوم البين مشكوم
ثم انتقل من خطابهم إلى الإخبار عنهم غائبا إعراضا عنهم، وتنبيها على توبيخهم في جعل شركاء للّه، وتعجيبا منهم، وإنكارا عليهم. وتضمن هذا الاستفهام التهكم بهم، لأنّه معلوم بالضرورة أن هذه الأصنام وما اتخذوها من دون اللّه أولياء، وجعلوهم شركاء لا تقدر على خلق ذرة، ولا إيجاد شيء البتة، والمعنى : أن هؤلاء الشركاء هم خالقون شيئا حتى يستحقوا العبادة، وجعلهم شركاء للّه أي : جعلوا للّه شركاء موصوفين بالخلق مثل خلق اللّه، فتشابه ذلك عليهم، فيعبدونهم. ومعلوم أنهم لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، فكيف يشركون في العبادة؟ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ «٢» ثم أمره تعالى فقال : قل اللّه خالق كل شيء أي : موجد الأشياء كلها معبوداتهم وغيرها. وهم أيضا مقرون بذلك، وَلَئِنْ
(٢) سورة النحل : ١٦/ ١٧.