البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٧٥
قولهم : جفلت الريح السحاب إذا حملته وفرقته. وعن أبي حاتم : لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفار بمعنى : أنه كان أعرابيا جافيا. وعن أبي حاتم أيضا : لا تعتبر قراءة الأعراب في القرآن. وأما ما ينفع الناس أي : من الماء الخالص من الغثاء ومن الجوهر المعدني الخالص من الخبث أي : مثل ذلك الضرب كمثل الحق والباطل. يضرب اللّه الأمثال، والظاهر أنه لما ضرب هذا المثل للحق والباطل انتقل إلى ما لأهل الحق من الثواب، وأهل الباطل من العقاب، فقال : للذين استجابوا لربهم الحسنى، أي : الذين دعاهم اللّه على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فأجابوا إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه الحالة الحسنى، وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمة اللّه، ودخول الجنة في الآخرة. فالحسنى مبتدأ، وخبره في قوله : للذين. والذين لم يستجيبوا مبتدأ، خبره ما بعده. وغاير بين جملتي الابتداء لما يدل عليه تقديم الجار والمجرور في الاعتناء والاهتمام، وعلى رأي الزمخشري من الاختصاص أي : لهؤلاء الحسنى لا لغيرهم. ولأن قراءة شيوخنا يقفون على قوله الأمثال، ويبتدئون للذين. وعلى هذا المفهوم أعرب الحوفي الحسنى مبتدأ، وللذين خبره، وفسر ابن عطية وفهم السلف. قال ابن عباس : جزاء الحسنى وهي لا إله إلا اللّه. وقال مجاهد :
الحياة الحسنى ما في الطيبة. وقيل : الجنة لأنها في نهاية الحسنى. وقيل : المكافأة أضعافا. وعلق الزمخشري للذين بقوله يضرب فقال : للذين استجابوا متعلقة بيضرب أي :
كذلك يضرب اللّه الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا، وللكافرين الذين لم يستجيبوا أي :
هما مثلا الفريقين. والحسنى صفة لمصدر استجابوا أي : استجابوا الاستجابة الحسنى.
وقولهم : لو أن لهم كلام مبتدأ، ذكر ما أعد لغير المستجيبين انتهى. والتفسير الأول أولى، لأنه فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين، واللّه تعالى قد ضرب أمثالا كثيرة في هذين وفي غيرهما، ولأنه فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف قول الزمخشري، فكما ذكر ما لغير المستجيبين من العقاب، ذكر ما للمستجيبين من الثواب. ولأنّ تقديره الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلتها ليس نفي الاستجابة مطلقا، إنما مقابلها نفي الاستجابة الحسنى، واللّه تعالى قد نفى الاستجابة مطلقا. ولأنه على قوله يكون قوله : لو أن لهم ما في الأرض جميعا، كلاما مفلتا مما قبله، أو كالمفلت، إذ يصير المعنى : كذلك يضرب اللّه الأمثال للمؤمنين والكافرين. لو أن لهم ما في الأرض، فلو كان التركيب بحرف رابط لو بما قبلها زال التفلت، وأيضا فيوهم الاشتراك في الضمير، وإن كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما لهم. وأيضا فقد جاء هذا التركيب، وتقدم تفسير مثل قوله : لو أن لهم ما