البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٧٩
عموم العهد. وقيل : هو خاص، فقال السدي : ما عهد إليهم في القرآن. وقال قتادة : في الأزل، وهو قوله : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «١» وقال القفال : ما في حيلتهم وعقولهم من دلائل التوحيد والنبوات. وقيل : في الكتب المتقدمة والقرآن. وقيل : المأخوذ على ألسنة الرسل. وقيل : الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والظاهر إضافة العهد إلى الفاعل أي : بما عهد اللّه. والظاهر أن قوله : ولا ينقضون الميثاق، جملة توكيدية لقوله :
يوفون بعهد اللّه، لأن العهد هو الميثاق، ويلزم من إيفاء العهد انتفاء نقيضه. وقال الزمخشري : وعهد اللّه ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا : بلى. ولا ينقضون الميثاق، ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان باللّه تعالى، وغيره من المواثيق بينهم وبين اللّه تعالى وبين العباد تعميم بعد تخصيص انتهى. فأضاف العهد إلى المفعول، وغاير بين الجملتين بكون الثانية تعميما بعد تخصيص انتهى. إذ أخذ الميثاق عام بينهم وبين اللّه وبين العباد. وقال ابن عطية : بعهد اللّه اسم الجنس أي : بجميع عهود اللّه، وبين أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده. ويدخل في هذه الألفاظ التزام جميع الفروض، وتجنب جميع المعاصي. وقوله :
ولا ينقضون الميثاق أي : إذا اعتقدوا في طاعة اللّه عهدا لم ينقضوه. قال قتادة : وتقدم وعيد اللّه إلى عباده في نقض الميثاق ونهى عنه في بضع وعشرين آية، ويحتمل أنه يشير إلى ميثاق معين وهو الذي أخذه تعالى على ظهر أبيهم آدم عليه السلام انتهى.
وقال ابن العربي : من أعظم المواثيق في الذكر أن لا يسأل سواه، وذكر قصة أبي حمزة الخراساني وقوعه في البئر، ومرور الناس عليه، وتغطيتهم البئر وهو لا يسألهم أن يخرجوه، إلى أن جاء من أخرجه بغير سؤال، ولم ير من أخرجه، وهتف به هاتف : كيف رأيت ثمرة التوكل؟ قال ابن العربي : هذا رجل عاهد اللّه فوجد الوفاء على التمام، فاقتدوا به. وقد أنكر أبو الفرج بن الجوزي فعل أبي حمزة هذا وبين خطأه، وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال. وذكر أنّ سفيان الثوري وغيره قالوا : إن إنسانا لو جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار. ولا ينكر أن يكون اللّه تعالى لطف بأبي حمزة الجاهل.
وما أمر اللّه به أن يوصل ظاهره العموم في كل ما أمر به في كتابه وعلى لسان نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الحسن : المراد به صلة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بالإيمان به، وقال نحوه ابن جبير. وقال