البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٨٦
واختلفوا في مدلولها : فقال أبو الحسن الهنائي : هي جمع طيبة قالوا في جمع كيسة كوسى، وصيفة صوفى. وفعلى ليست من ألفاظ الجموع، فلعله يعني بها اسم جمع. وقال الجمهور : هي مفرد مصدر كبشرى وسقيا ورجعى وعقبى، واختلف القائلون بهذا في معناها.
فقال الضحاك : المعنى غبطة لهم. وعنه أيضا : أصبت خيرا. وقال عكرمة : نعمى لهم.
وقال ابن عباس : فرح وقرة عين. وقال قتادة : حسنى لهم. وقال النخعي : خير لهم، وعنه أيضا كرامة لهم. وعن سميط بن عجلان : دوام الخير. وهذه أقوال متقاربة، والمعنى العيش الطيب لهم. وعن ابن عباس، وابن جبير : طوبى اسم للجنة بالحبشية. وقيل : بلغة الهند. وقال أبو هريرة، وابن عباس أيضا، ومعتب بن سمي، وعبيد بن عمير، ووهب بن منبه : هي شجرة في الجنة. وروي مرفوعا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال، وقد سأله أعرابي : يا رسول اللّه أفي الجنة فاكهة؟ قال :«نعم فيها شجرة تدعى طوبى»
وذكر الحديث. قال القرطبي : الصحيح أنها شجرة للحديث المرفوع حديث عتبة، وهو صحيح على ما ذكره السهيلي، وذكره أبو عمر في التمهيد والثعلبي. وطوبى :
مبتدأ، وخبره لهم. فإن كانت علما لشجرة في الجنة فلا كلام في جواز الابتداء، وإن كانت نكرة فمسوغ الابتداء بها ما ذهب إليه سيبويه من أنه ذهب بها مذهب الدعاء كقولهم : سلام عليك، إلا أنه التزم فيه الرفع على الابتداء، فلا تدخل عليه نواسخه هكذا قال : ابن مالك. ويرده أنه قرىء : وحسن مآب بالنصب، قرأه كذلك عيسى الثقفي، وخرج ذلك ثعلب على أنه معطوف على طوبى، وأنها في موضع نصب، وحسن مآب معطوف عليها.
قال ثعلب : وطوبى على هذا مصدر كما قالوا : سقيا. وخرجه صاحب اللوامح على النداء قال : بتقدير يا طوبى لهم، ويا حسن مآب. فحسن معطوف على المنادى المضاف في هذه القراءة، فهذا نداء للتحنين والتشويق كما قال : يا أسفى على الفوت والندبة انتهى. ويعني بقوله : معطوف على المنادى المضاف، أنّ طوبى مضاف للضمير، واللام مقحمة كما أقحمت في قوله : يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام، وقول الآخر : يا بؤس للحرب التي، ولذلك سقط التنوين من بؤس وكأنه قيل : يا طوباهم وحسن مآب أي : ما أطيبهم وأحسن مآبهم، كما تقول : يا طيبها ليلة أي : ما أطيبها ليلة. وقرأ بكرة الأعرابي طيبى بكسر الطاء، لتسلم الياء من القلب، وإن كان وزنها فعلى، كما كسروا في بيض لتسلم الياء، وإن كان وزنها فعلا كحمر. وقال الزمخشري : أصبت خيرا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع كقولك : طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك، والقراءة في قوله : وحسن مآب بالرفع والنصب


الصفحة التالية
Icon