البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٩
الضمير عائد على الغلة. وقيل : على الزينة، وهو ضعيف. وجواب إذا قوله : أتاها أمرنا كالريح والصر والسموم وغير ذلك من الآفات كالفار والجراد. وقيل : أتاها أمرنا بإهلاكها، وأبهم في قوله : ليلا أو نهارا، وقد علم تعالى متى يأتيها أمره، أو تكون أو للتنويع، لأنّ بعض الأرض يأتيها أمره تعالى ليلا وبعضها نهارا، ولا يخرج كائن عن وقوعه فيهما.
والحصيد : فعيل بمعنى مفعول أي : المحصود، ولم يؤنث كما لم تؤنث امرأة جريج. وقال أبو عبيدة : الحصيد المستأصل انتهى. وعبر بحصيد عن التألف استعارة، جعل ما هلك من الزرع بالآفة قبل أوانه حصيدا علاقة ما بينهما من الطرح على الأرض. وقيل : يجوز أن تكون تشبيها بغير الأداة والتقدير : فجعلناها كالحصيد. وقوله : كأن لم تغن بالأمس، مبالغة في التلف والهلاك حتى كأنها لم توجد قبل، ولم يقم بالأرض بهجة خضرة نضرة تسر أهلها.
وقرأ الحسن وقتادة : كأن لم يغن بالياء على التذكير. فقيل : عائد على المضاف المحذوف الذي هو الزرع، حذف وقامت هاء التأنيث مقامه في قوله : عليها، وفي قوله :
أتاها فجعلناها. وقيل : عائد على الزخرف، والأولى عوده على الحصيد أي : كأن لم يغن الحصيد. وكان مروان بن الحكم يقرأ على المنبر : كأن لم تتغن بتاءين مثل تتفعل. وقال الأعشى : طويل الثواء طويل التغني، وهو من غنى بكذا أقام به. قال الزمخشري : والأمس مثل في الوقت. كأنه قيل : كأن لم تغن آنفا انتهى. وليس الأمس عبارة عن مطلق الوقت، ولا هو مرادف كقوله : آنفا، لأنّ آنفا معناه الساعة، والمعنى : كأن لم يكن لها وجود فيما مضى من الزمان. ولو لا أنّ قائلا قال في غير القرآن كأن لم يكن لها وجود الساعة لم يصح هذا المعنى، لأنه لا وجود لها الساعة، فكيف تشبه وهي لا وجود لها حقيقة بما لا وجود لها حقيقة؟ إنما يشبه ما انتفى وجوده الآن بما قدر انتفاء وجوده في الزمان الماضي، لسرعة انتقاله من حالة الوجود إلى حالة العدم، فكان حالة الوجود ما سبقت له. وفي مصحف أبي : كأن لم تغن بالأمس، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير نفصل الآيات، رواه عنه ابن عباس. وقيل في مصحفه : وما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير : وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقرأ في قراءة أبيّ كأن لم تغن بالأمس، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها، ولا يحسن أن يقرأ أحد بهذه القراءة لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون انتهى. كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون