البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٩٣
تنفع؟ هذا تأويل. ويظهر أنّ القول مرتبط بقوله : وجعلوا للّه شركاء، كأنّ المعنى : أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك، هل ينتقم ويعاقب أم لا؟ وأبعد من ذهب إلى أنّ قوله : أفمن هو قائم المراد به الملائكة الموكلون ببني آدم، حكاه القرطبي عن الضحاك.
والخبر أيضا محذوف تقديره : كغيره من المخلوقين. وأبعد أيضا من ذهب إلى أن قوله :
وجعلوا معطوفا على استهزىء، أي : استهزؤوا وجعلوا، ثم أمره تعالى أن يقول لهم :
سموهم أي : اذكروهم بأسمائهم، والمعنى : أنهم ليسوا ممن يذكر ويسمى، إنما يذكر ويسمى من هو ينفع ويضرّ، وهذا مثل من يذكر لك أن شخصا يوقر ويعظم وهو عندك لا يستحق ذلك فتقول لذاكره : سمه حتى أبين لك زيفه وأنه ليس كما تذكر. وقريب من هذا قول من قال في قوله : قل سموهم، إنما يقال ذلك في الشيء المستحقر الذي يبلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال له : سمه إن شئت أي : هو أخس من أن يذكر ويسمى. ولكن إن شئت أن تضع له اسما فافعل، فكأنه قال : سموهم بالآلهة على جهة التهديد. والمعنى : سواء سميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به فإنها في الحقارة بحيث لا يستحق أن يلفت العاقل إليها. وقيل : سموهم إذا صنعوا وأماتوا وأحيوا لتصح الشركة. وقيل : طالبوهم بالحجة على أنها آلهة. وقيل : صفوهم وانظروا هل يستحقون الإلهية؟ وقال الزمخشري : جعلتم له شركاء فسموهم له من هم، وبينوهم بأسمائهم. وقيل : هذا تهديد كما تقول لمن تهدده على شرب الخمر : سم الخمر بعد هذا. وأم في قوله : أم تنبؤونه منقطعة، وهو استفهام توبيخ. قال الزمخشري : بل أتنبؤونه بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض، فإذا لم يعلمهم علم أنهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم، والمراد نفي أن يكون له شركاء، ونحوه : قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ «١» انتهى. فجعل الفاعل في قوله : بما لا يعلم، عائدا على اللّه. والعائد على بما محذوف أي : بما لا يعلمه اللّه. وكنا قد خرجنا تلك الآية على الفاعل في قوله : بما لا يعلم، عائد على ما، وقررنا ذلك هناك، وهو يتقرر هنا أيضا. أي : أتنبؤون اللّه بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة. وذكر نفي العلم في الأرض، إذ الأرض هي مقر تلك الأصنام، فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه، فانتفاؤه في السموات أحرى.
وقرأ الحسن : تنبؤونه من أنبأ. وقيل : المراد تقدرون أن تعلموه بأمر تعلمونه أنتم وهو لا يعلمه، وخص الأرض بنفي الشريك بأنه لم يكن له شريك البتة، لأنهم