البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٩٩
في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء»
وقال الغزنوي : ما في اللوح المحفوظ خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة، فيحتمل التبديل وإحاطة الخلق بجميع علم اللّه تعالى، وما في علمه تعالى من تقدير الأشياء لا يبدل انتهى. وقيل :
غير ذلك مما يطول نقله. وقد استدلت الرافضة بقوله : يمحو اللّه ما يشاء ويثبت، على أنّ البدء جائز على اللّه تعالى، وهو أن يعتقد شيئا ثم يظهر له أنّ الأمر خلاف ما اعتقده، وهذا باطل لأنّ علمه تعالى من لوازم ذاته المخصوصة، وما كان كذلك كان دخول التغيير والتبديل فيه محالا. وأما الآية فقد احتملت تلك التأويلات المتقدمة، فليست نصا فيما ادعوه، ولو كانت نصا وجب تأويله.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم : ويثبت مخففا من أثبت، وباقي السبعة مثقلا من ثبت.
وأما قوله : أم الكتاب فقال ابن عباس : أم الكتاب الذكر، وقال أيضا هو وكعب : هو علم ما هو خالق، وما خلقه عاملون. وقالت فرقة : الحلال والحرام، وهو قول الحسن. وقال الزمخشري :
أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ، لأنّ كل كائن مكتوب فيه انتهى. وما جرى مجرى الأصل للشيء تسميه العرب، أمّا كقولهم : أم الرأس للدماغ، وأم القرى مكة. وقال ابن عطية : وأصوب ما يفسر به أم الكتاب أنه ديوان الأمور المحدثة التي قد سبق في القضاء أن تبدل وتمحى، أو تثبت. وقال نحوه قتادة : إنّ جواب الشرط الأول محذوف، وكلام ابن عطية في ما ونون التوكيد. وقال الزمخشري : وإما نرينك، وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم، وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم، أو نتوفينك قبل ذلك، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم، فلا يهمنك إعراضهم، ولا تستعجل بعذابهم انتهى. وقال الحوفي وغيره : فإنما عليك البلاغ جواب الشرط، والذي تقدم شرطان، لأنّ المعطوف على الشرط شرط. فأما كونه جوابا للشرط الأول فليس بظاهر، لأنه لا يترتب عليه، إذ يصير المعنى : وإما نرينك بعض ما نعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ. وأما كونه جوابا للشرط الثاني هو أو نتوفينك فكذلك، لأنه يصير التقدير : إن ما نتوفينك فإنما عليك البلاغ، ولا يترتب وجوب التبليغ عليه على وفاته عليه السلام، لأنّ التكليف ينقطع بعد الوفاة فيحتاج إلى تأويل وهو : أن يتقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتبا عليه. وذلك أن يكون التقدير - واللّه أعلم - وأنّ ما نرينك بعض الذي نعدهم به من العذاب فذلك شافيك من أعدائك، ودليل على صدقك، إذا أخبرت بما يحل بهم. ولم يعين زمان حلوله بهم، فاحتمل أن يقع ذلك في حياتك،


الصفحة التالية
Icon