البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٠٧
من ذلك وجهان : أحدهما : أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان : أحدهما : إعرابه نعتا مقدما، والثاني : أن يجعل ما بعد الصفة بدلا. والوجه الثاني : أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها انتهى. فعلى هذا الذي ذكره ابن عصفور يجوز أن يكون العزيز الحميد يعربان صفتين متقدمتين، ويعرب لفظ اللّه موصوفا متأخرا. ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخير لكان صفة، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفا قول الشاعر :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها ركبان مكة بين الغيل والسعد
فلو جاء على الكثير لكان التركيب : والمؤمن الطير العائذات، وارتفع ويل على الابتداء، وللكافرين خبره. لما تقدم ذكر الظلمات دعا بالهلكة على من لم يخرج منها، ومن عذاب شديد في موضع الصفة لويل. ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف، ولا يجوز أن يكون متعلقا بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر. ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة. قال :(فإن قلت) : ما وجه اتصال قوله من عذاب شديد بالويل؟ (قلت) : لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه، ويقولون يا ويلاه كقوله : دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً «١» انتهى. وظاهره يدل على تقدير عامل يتعلق به من عذاب شديد، ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعا بهم في الدنيا، أو واقعا بهم في الآخرة. والاستحباب الإيثار والاختيار، وهو استفعال من المحبة، لأنّ المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر. ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بعلى. وجوزوا في إعراب الذين أن يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد، وأن يكون معطوفا على الذم، إما خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وإما منصوبا بإضمار فعل تقديره أذم، وأن يكون بدلا، وأن يكون صفة للكافرين. ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء، وهو لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله : من عذاب شديد، سواء كان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل، أم متعلقا بفعل محذوف أي :
يضجون ويولولون من عذاب شديد. ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدار لزيد الحسنة القرشي، فهذا التركيب لا يجوز، لأنك فصلت بين زيد وصفته بأجنبي منهما وهو صفة الدار، والتركيب الفصيح أن تقول : الدار الحسنة لزيد القرشي، أو الدار لزيد القرشي