البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤١٤
التردد، أو هما قولان من طائفتين : طائفة بادرت بالتكذيب والكفر، وطائفة شكت، والشك في مثل ما جاءت به الرسل كفر. وقرأ طلحة : مما تدعونا بإدغام نون الرفع في الضمير، كما تدغم في نون الوقاية في مثل : أتحاجوني والمعنى : مما تدعوننا إليه من الإيمان باللّه.
ومريب صفة توكيدية، ودخلت همزة الاستفهام الذي معناه الإنكار على الظرف الذي هو خبر عن المبتدأ، لأنّ الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه. وقدر مضاف فقيل : أفي إلاهية اللّه. وقيل : أفي وحدانيته، ثم نبههم على الوصف الذي يقتضي أن لا يقع فيه شك البتة وهو كونه منشىء العالم وموجده، فقال : فاطر السموات والأرض. وفاطر صفة للّه، ولا يضر الفصل بين الموصوف وصفته بمثل هذا المبتدأ، فيجوز أن تقول : في الدار زيد الحسنة، وإن كان أصل التركيب في الدار الحسنة زيد. وقرأ زيد بن علي : فاطر نصبا على المدح، ولما ذكر أنه موجد العالم، ونبه على الوصف الذي لا يناسب أن يكون معه فيه شك ذكر ما هو عليه من اللطف بهم والإحسان إليهم فقال : يدعوكم ليغفر لكم أي : يدعوكم إلى الإيمان كما قال : إذ تدعون إلى الإيمان أو يدعوكم لأجل المغفرة، نحو : دعوته لينصرني. وقال الشاعر :
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسور
ومن ذنوبكم ذهب أبو عبيدة والأخفش إلى زيادة من أي : ليغفر لكم ذنوبكم.
وجمهور البصريين لا يجيز زيادتها في الواجب، ولا إذا جرت المعرفة، والتبعيض يصبح فيها إذ المغفور هو ما بينهم وبين اللّه، بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم. وبطريق آخر يصح التبعيض وهو أنّ الإسلام يجب ما قبله، ويبقى ما يستأنف بعد الإيمان من الذنوب مسكوتا عنه، هو في المشيئة والوعد إنما هو بغفران ما تقدم، لا بغفران ما يستأنف. وقال الزمخشري ما معناه : إنّ الاستقراء في الكافرين أن يأتي من ذنوبكم، وفي المؤمنين ذنوبكم، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولأن لا يسوي بين الفريقين انتهى.
ويقال : ما فائدة الفرق في الخطاب والمعنى مشترك، إذ الكافر إذا آمن، والمؤمن إذا تاب مشتركان في الغفران وما تخيلت فيه مغفرة بعض الذنوب في الكافر الذي آمن هو موجود في المؤمن الذي تاب. وقال أبو عبد اللّه الرازي : أما قول صاحب الكشاف المراد تمييز خطاب المؤمن من خطاب الكافر، فهو من باب الطامات، لأنّ هذا التبعيض إن حصل فلا


الصفحة التالية
Icon