البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤١٩
وقال آخر :
أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا نحني عليها الأصابع
ووراء من الأضداد قاله : أبو عبيدة والأزهري. وقيل : ليس من الأضداد. وقال ثعلب : اسم لما توارى عنك، سواء كان أمامك أم خلفك. وقيل : بمعنى من خلفه أي : في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي : سوف يأتيك. ويسقى معطوف على محذوف تقديره : يلقى فيها ويسقى، أو معطوف على العامل في من ورائه، وهو واقع موقع الصفة. وارتفاع جهنم على الفاعلية، والظاهر إرادة حقيقة الماء. وصديد قال ابن عطية : هو نعت لماء، كما تقول :
هذا خاتم حديد وليس بماء، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء.
وقيل : هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول : مررت برجل أسد التقدير : مثل صديد.
فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة، وعلى هذا القول لا يكون صديدا ولكنه ما يشبه بالصديد. وقال الزمخشري : صديد عطف بيان لماء قال : ويسقى من ماء، فأبهمه إبهاما، ثم بينه بقوله : صديد انتهى. والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي، فأعرب زَيْتُونَةٍ «١» عطف بيان ل شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ «٢» فعلى رأي البصريين لا يجوز أن يكون قوله : صديد، عطف بيان. وقال الحوفي : صديد نعت لماء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك : هو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال محمد بن كعب والربيع : هو غسالة أهل النار في النار. وقيل : هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل : صديد بمعنى مصدود عنه أي : لكراهته يصد عنه، فيكون مأخوذا عنه من الصد. وذكر ابن المبارك من حديث أبي أمامة عن الرسول قاله في قوله : وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ قال :«يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره»
يتجرعه يتكلف جرعه.
ولا يكاد يسيغه أي : ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة. والظاهر هنا انتفاء مقاربة إساغته إياه، وإذا انتفت انتفت الإساغة، فيكون كقوله : لَمْ يَكَدْ يَراها «٣» أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها؟ والحديث :«جاءنا ثم يشربه»
فإن صح الحديث كان المعنى :
ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه، كما جاء فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ «٤» أي وما
(٢) سورة النور : ٢٤/ ٣٥. [.....]
(٣) سورة النور : ٢٤/ ٤٠.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٧١.