البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٢٣
يجتمع منه شيء انتهى. وهذا القول الذي رجحه ابن عطية قال الحوفي، وهو لا يجوز، لأن الجملة الواقعة خبرا عن المبتدأ الأول الذي هو مثل عارية من رابط يعود على المثل، وليست نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج إلى رابط. وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام، وعتق الرقاب، وفداء الأسارى، وعقر الإبل للأضياف، وإغاثة الملهوفين، والإجارة، وغير ذلك. شبهها في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة اللّه والإيمان به، وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف. وقرأ نافع، وأبو جعفر : الرياح على الجمع، والجمهور على الأفراد. ووصف اليوم بقوم عاصف، وإن كان من صفة الريح على سبيل التجوز، كما قالوا : يوم ما حل وكيل نائم. وقال الهروي :
التقدير في يوم عاصف الريح، فحذف لتقدم ذكرها كما قال الشاعر :
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف يريد كاسف الشمس. وقيل : عاصف من صفة الريح، إلا أنه لما جاء بعد اليوم اتبع إعرابه كما قيل : جحر ضب خرب، يعني : إنه خفض على الجوار. وقرأ ابن أبي إسحاق، وإبراهيم بن أبي بكر عن الحسن : في يوم عاصف على إضافة اليوم لعاصف، وهو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، تقديره : في يوم ريح عاصف. وتقدم تفسير العصوف في يونس في قوله : جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ «١» وعلى قول من أجاز إضافة الموصوف إلى صفته يجوز أن تكون القراءة منه : لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء، أي : لا يرون له أثرا من ثواب، كما لا يقدر من الرماد المطير بالريح على شيء. وقيل : لا يقدرون من ثواب ما كسبوا، فهو على حذف مضاف. وفي الصحيح عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : يا رسول اللّه، إنّ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، هل ذلك نافعه؟ قال :«لا ينفعه لأنه لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»
وفي الصحيح أيضا :«إن الكافر ليطعم بحسناته في الدنيا ما عمل للّه منها»
ذلك إشارة إلى كونهم بهذه الحال. وعلى مثل هذا الغرر البعيد الذي يعمق فيه صاحبه، وأبعد عن طريق النجاة، والبعيد عن الحق، أو الثواب. وفي البقرة : لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا «٢» على شيء من التفنن في الفصاحة، والمغايرة في التقديم والتأخير، والمعنى واحد.

(١) سورة يونس : ١٠/ ٢٢.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢٦٤.


الصفحة التالية
Icon