البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٢٦
من خاص، لأنّ من شيء أعم من قوله : من عذاب اللّه، وإن عنى بشيء شيئا من العذاب فيؤول المعنى إلى ما قدر، وهو بعض بعض عذاب اللّه. وهذا لا يقال، لأنّ بعضية الشيء مطلقة، فلا يكون لها بعض. ونص الحوفي، وأبو البقاء : على أنّ من في قوله : من شيء، زائدة. قال الحوفي : من عذاب اللّه متعلق بمغنون، ومن في من شيء لاستغراق الجنس، زائدة للتوكيد. وقال أبو البقاء : ومن زائدة أي : شيئا كائنا من عذاب اللّه، ويكون محمولا على المعنى تقديره : هل تمنعون عنا شيئا؟ ويجوز أن يكون شيء واقعا موقع المصدر أي :
غنى فيكون من عذاب اللّه متعلقا بمغنون انتهى. ومسوغ الزيادة كون الخبر في سياق الاستفهام، فكان الاستفهام دخل عليه وباشره، وصارت الزيادة هنا كالزيادة في تركيب :
فهل تغنون. وقال الزمخشري : أجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأنّ اللّه لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم، ولم يضلوهم إما موركين الذنب في ضلالهم، وإضلالهم على اللّه كما حكى اللّه عنهم. وقالوا : لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا، ولو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء، يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا، ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين : يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ «١» انتهى. وحكى أبو عبد اللّه الرازي عن الزمخشري أنهم قالوا ذلك مع أنهم كذبوا فيه، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن المنافقين : يوم يبعثهم اللّه جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء. قال أبو عبد اللّه الرازي : واعلم أنّ المعتزلة لا يجوزون صدور الكذب على أهل القيامة، فكان هذا القول منه مخالفا لأصول مشايخه، لا يقبل منه. وقال الزمخشري أيضا : ويجوز أن يكون المعنى : لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا. واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان. قال أبو عبد اللّه الرازي : وذكر القاضي هذا الوجه وزيفه بأن قال : لا يجوز حمل هذا على اللطف، لأن ذلك قد فعله اللّه. وقيل : لو خلصنا اللّه من العذاب وهدانا إلى طريق الجنة لهديناكم. وقال الزمخشري في بسط هذا القول : لو هدانا اللّه طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي : لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة، كما سلكنا بكم سبيل الهلكة انتهى. وقيل : ويدل على أنّ المراد بالهدى الهدى إلى طريق الجنة، أنه هو الذي التمسوه وطلبوه، فوجب أن يكون المراد. وقال ابن عباس : لو أرشدنا اللّه لأرشدناكم. والظاهر أنّ قوله : سواء علينا أجزعنا أم صبرنا إلى