البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٢٨
إضافة الموصوف إلى صفته أي : الوعد الحق، وإن يكون الحق صفة اللّه أي : وعده، وأن يكون الحق الشيء الثابت وهو البعث والجزاء على الأعمال أي : فوفى لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم، وإلا أنّ دعوتكم الظاهر أنه استثناء منقطع، لأنّ دعاءه إياهم إلى الضلالة ووسوسته ليس من جنس السلطان، وهو الحجة البينة. قيل : ويحتمل أن يريد بالسلطان الغلبة والتسليط والقدرة أي : ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئا فأتى رأيكم عليه. وقيل : هو استثناء متصل، لأنّ القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة يكون بالقهر من الحامل، وتارة يكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بإلقاء الوسواس إليه، فهذا نوع من أنواع التسليط. وقيل : وظاهر هذا الكلام يدل على أنّ الشيطان لا قدرة له على صرع الإنسان وتعويج أعضائه وجوارحه، وإزالة عقله، فلا تلوموني. وقرىء : فلا يلوموني بالياء على الغيبة، وهو التفات يريد في ما آتيتموه من الضلال، ولوموا أنفسكم في سوء نظركم واستجابتكم لدعائي من غير تثبت ولا حجة. وقال الزمخشري : ولوموا أنفسكم حيث اغتررتم، وأطعتموني إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم، وهذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة والسعادة ويحصلها لنفسه، وليس من اللّه إلا التمكين، ولا من الشيطان إلا التزيين، ولو كان الأمر كما يزعم المجبرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم، فإنّ اللّه قد قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه انتهى. وهو على طريق الاعتزال.
ما أنا بمصرخكم قال ابن عباس : بنافعكم. وقال ابن جبير : بمنقذكم، وقال الربيع :
بمنجيكم، وقال مجاهد : بمغيثكم، وكلها أقوال متقاربة. وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة : بمصرخي بكسر الياء، وطعن كثير من النحاة في هذه القراءة. قال الفراء : لعلها من وهم القراء، فإنه قل من سلم منهم من الوهم، ولعله ظن أنّ الباء في بمصرخي خافضة للفظ كله، والباء للمتكلم خارجة من ذلك. وقال أبو عبيد : نراهم غلطوا، ظنوا أنّ الباء تكسر لما بعدها. وقال الأخفش : ما سمعت هذا من أحد من العرب، ولا من النحويين. وقال الزجاج : هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة، ولا وجه لها إلا وجه ضعيف. وقال النحاس : صار هذا إجماعا، ولا يجوز أن يحمل كتاب اللّه على الشذوذ. وقال الزمخشري : هي ضعيفة، واستشهدوا لها ببيت مجهول :
قال لها هل لك يا تافيّ قالت له ما أنت بالمرضي


الصفحة التالية
Icon