البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣١
تعالى عن نفسه، فيصير بذلك بإذن ربهم ألطف لهم وأحنى عليهم، وتقدم تفسير تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ «١» في أوائل سورة يونس.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ : تقدم الكلام في ضرب مع المثل في أوائل البقرة، فكان يغني ذلك عن الكلام فيه هنا، إلا أنّ المفسرين أبدوا هنا تقديرات، فأعرب الحوفي والمهدوي وأبو البقاء مثلا مفعولا بضرب، وكلمة بدل من مثلا. وإعرابهم هذا تفريع، على أنّ ضرب مثل لا يتعدى لا إلى مفعول واحد. وقال ابن عطية : وأجازه الزمخشري مثلا مفعول بضرب، وكلمة مفعول أول تفريعا على أنها مع المثل تتعدى إلى اثنين، لأنها بمعنى جعل. وعلى هذا تكون شجرة خبر مبتدأ محذوف أي : جعل كلمة طيبة مثلا هي أي : الكلمة كشجرة طيبة، وعلى البدل تكون كشجرة نعتا للكلمة. وأجاز الزمخشري : وبدأ به أن تكون كلمة نصبا بمضمر أي : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله : ضرب اللّه مثلا، كقولك : شرف الأمير زيدا كساه حلة، وحمله على فرس انتهى. وفيه تكلف إضمار لا ضرورة تدعو إليه.
وقرىء شاذا كلمة طيبة بالرفع. قال أبو البقاء : على الابتداء، وكشجرة خبره انتهى.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف والتقدير : هو أي المثل كلمة طيبة كشجرة، وكشجرة نعت لكلمة، والكلمة الطيبة هي : لا له إلا اللّه قاله ان عباس، أو الإيمان قاله مجاهد وابن جريج، أو المؤمن نفسه قال عطية العوفي والربيع، أو جميع طاعاته أو القرآن قاله الأصم، أو دعوة الإسلام قاله ابن بحر، أو الثناء على اللّه أو التسبيح والتنزيه والشجرة الطيبة المؤمن قاله ابن عباس،
أو جوزة الهند قاله علي
وابن عباس، أو شجرة في الجنة قاله ابن عباس أيضا، أو النخلة وعليه أكثر المتأولين وهو قول : ابن مسعود، وابن عباس، وأنس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وابن زيد، وجاء ذلك نصا من حديث ابن عمر مما خرجه الدار قطني عنه قال : قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر الآية فقال :«أتدرون ما هي فوقع في نفسي أنها النخلة»
الحديث. وقال أبو العالية : أتيت أنس بن مالك فجيء بطبق عليه رطب فقال