البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣٥
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ. وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ : لما ذكر حال المؤمنين وهداهم، وحال الكافرين وإضلالهم، ذكر السبب في إضلالهم. والذين بدلوا ظاهره أنه عام في جميع المشركين قاله الحسن، بدلوا بنعمة الإيمان الكفر. وقال مجاهد : هم أهل مكة، أنعم اللّه تعالى عليهم ببعثه رسولا منهم يعلمهم أمر دينه وشرفهم به، وأسكنهم حرمه، وجعلهم قوام بيته، فوضعوا مكان شكر هذه النعمة كفرا. وسأل ابن عباس عمر عنهم فقال : هما الأعراب من قريش أخوالي أي : بني مخزوم، واستؤصلوا ببدر. وأعمامك أي : بني أمية، ومتعوا إلى حين. وعن علي نحو من ذلك. وقال قتادة : هم قادة المشركين يوم بدر. وعن علي : هم قريش الذين تحزبوا يوم بدر. وعلى أنهم قريش جماعة من الصحابة والتابعين.
وعن علي أيضا : هم منافقو قريش أنعم عليهم بإظهار علم الإسلام بأن صان دماءهم وأموالهم وذراريهم، ثم عادوا إلى الكفر.
وعن ابن عباس : في جبلة بن الأيهم، ولا يريد أنها نزلت فيه، لأن نزول الآية قبل قصته، وقصته كانت في خلافة عمر، وإنما يريد ابن عباس أنها تخص من فعل فعل جبلة إلى يوم القيامة.
ونعمة اللّه على حذف مضاف أي : بدلوا شكر نعمة اللّه كقوله : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «١» أي شكر رزقكم، كأنه وجب عليهم الشكر فوضعوا مكانه كفرا، وجعلوا مكان شكرهم التكذيب. قال الزمخشري : ووجه آخر وهو أنهم بدلوا نفس النعمة بالكفر حاصلا لهم الكفر بدل النعمة، وهم أهل مكة أسكنهم اللّه حرمه، وجعلهم قوام بيته، وأكرمهم بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فكفروا نعمة اللّه بدل ما ألزمهم من الشكر العظيم، أو أصابهم اللّه بالنعمة والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم اللّه بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم انتهى. ونعمة اللّه هو المفعول الثاني، لأنه هو الذي يدخل عليه حرف الجر أي : بنعمة اللّه، وكفرا هو المفعول الأول كقوله : فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ «٢» أي بسيئاتهم حسنات. فالمنصوب هو الحاصل، والمجرور بالباء أو المنصوب على إسقاطها هو الذاهب، على هذا لسان العرب، وهو على خلاف ما يفهمه العوام، وكثير ممن ينتمي إلى العلم. وقد أوضحنا هذه المسألة في قوله في البقرة : وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ «٣» وإذا قدرت مضافا محذوفا وهو
(٢) سورة الفرقان : ٢٥/ ٧٠.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٠٨.