البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٤
فتقول : ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم. وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه اللّه تعالى، وجاءت بحديث موضوع :«إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا يا أهل الجنة، فيكشفون الحجاب، فينظرون إليه، فو اللّه ما أعطاهم اللّه تعالى شيئا هو أحب إليهم منه»
انتهى. أما تفسيره أولا ونقله عمن ذكر تفسير الزيادة فهو نص الجبائي ونقله، وأما قوله : وجاءت بحديث موضوع فليس بموضوع، بل خرجه مسلم في صحيحه عن صهيب، والنسائي عنه عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وخرجه ابن المبارك في دقائقه موقوفا على أبي موسى وقال : بأن الزيادة هي النظر إلى اللّه تعالى، أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، في رواية وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وكعب بن عجرة، وأبو موسى، وصهيب، وابن عباس في رواية، وهو قول جماعة من التابعين. ومسألة الرؤية يبحث فيها في أصول الدين. قال مجاهد : أراد ولا يلحقها خزي، والخزي يتغير به الوجه ويسود. قال ابن ابن عباس : والذلة الكآبة. وقال غيره : الهوان. وقيل : الخيبة نفي عن المحسنين ما أثبت للكفار من قوله : وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ «١» وقوله : عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ «٢» وكنى بالوجه عن الجملة لكونه أشرفها، ولظهور أثر السرر والحزن فيه. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وعيسى بن عمر، والأعمش : قتر بسكون التاء، وهي لغة كالقدر، والقدر وجعلوا أصحاب الجنة لتصرفهم فيها كما يتصرف الملاك على حسب اختيارهم.
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : لما ذكر ما أعد للذين أحسنوا وحالهم يوم القيامة ومآلهم إلى الجنة، ذكر ما أعد لأضدادهم وحالهم ومآلهم، وجاءت صلة المؤمنين أحسنوا، وصلة الكافرين كسبوا السيئات، تنبيها على أنّ المؤمن لما خلق على الفطرة وأصلها بالإحسان، وعلى أن الكافر لما خلق على الفطرة انتقل عنها وكسب السيئات، فجعل ذلك محسنا، وهذا كاسبا للسيئات، ليدل على أنّ المؤمن سلك ما ينبغي، وهذا سلك ما لا ينبغي. والظاهر أنّ والذين مبتدأ، وجوزوا في الخبر وجوها أحدها : أنه الجملة التي بعده وهي جزاء سيئة بمثلها، وجزاء مبتدأ فقيل : خبره مثبت وهو بمثلها. واختلفوا في الباء فقيل : زائدة قاله ابن كيسان أي جزاء سيئة مثلها، كما قال : وجزاء سيئة سيئة مثلها، كما زيدت في الخبر في قوله : فمنعكها بشيء يستطاع،

(١) سورة يونس : ١٠/ ٢٧.
(٢) سورة عبس : ٨٠/ ٤١.


الصفحة التالية
Icon