البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٤١
مصدرية، ويكون المصدر بمعنى المفعول. ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة وبين تلك على تقدير أنّ ما نافية قال : ويجوز أن تكون ما موصولة على وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلح أحوالكم ومعائشكم إلا به، فكأنكم سألتموه، أو طلبتموه بلسان الحال. فتأول سألتموه بقوله : ما احتجتم إليه. والضمير في سألتموه إن كانت ما مصدرية عائد على اللّه تعالى، ويكون المصدر يراد به المسئول. وإن كانت موصولة بمعنى الذي عاد عليها، والتقدير : من كل الذي سألتموه إياه. ولا يجوز أن يكون عائدا على اللّه. والرابط للصلة بالموصول محذوف، لأنك إن قدرته متصلا فيكون التقدير :
ما سألتموهوه، فلا يجوز. أو منفصلا فيكون التقدير : ما سألتموه إياه، فالمنفصل لا يجوز حذفه. والنعمة هنا قال الواحدي : اسم أقيم مقام المصدر، يقال : أنعم إنعاما ونعمة، أقيم الاسم مقام الانعام كقولك : أنفقت إنفاقا ونفقة، ولذلك لم يجمع لأنه في معنى المصدر انتهى. والذي يظهر أن النعمة هو المنعم به، وأنه هو اسم جنس لا يراد به الواحد بل يراد به الجمع، كأنه قيل : وإن تعدوا نعمة اللّه ومعنى لا تحصوها، لا تحصوها، لا تحصروها ولا تطيقوا عدها، هذا إذا أرادوا أن يعدوها على الإجمال. وأما التفصيل فلا يقدر عليه، ولا يعلمه إلا اللّه. وقال أبو الدرداء : من لم ير نعمة اللّه عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه، وحضر عذابه. والمراد بالإنسان هنا الجنس أي : توجد فيه هذه الخلال وهي :
الظلم، والكفر، يظلم النعمة بإغفال شكرها، ويكفرها بجحدها. وقيل : ظلوم في الشدة فيشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. وفي النحل : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «١» والفرق بين الختمين : أنه هنا تقدم قوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت اللّه كفرا وبعده، وجعلوا للّه أندادا، فكان ذلك نصا على ما فعلوا من القبائح من كفران النعمة والظلم الذي هو الشرك، بجعل الأنداد ناسب أن يحتم بذم من وقع ذلك منه، فجاء إن الإنسان لظلوم كفار. وأما في النحل فلما ذكر عدة تفضلات، وأطنب فيها، وقال : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ «٢» أي : من أوجد هذه النعم السابق ذكرها ليس كمن لا يقدر على الخلق ولا على شيء منه، ذكر من تفضلاته اتصافه بالعذاب والرحمة تحريضا على الرجوع إليه، وأن هاتين الصفتين هو متصف بهما، كما هو متصف بالخلق، ففي ذلك إطماع لمن آمن به. وانتقل من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق أنه
(٢) سورة النحل : ١٦/ ١٧.