البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥
أي شيء يستطاع. وقيل : ليست بزائدة، والتقدير : مقدر بمثلها أو مستقر بمثلها. وقيل :
محذوف، فقدّره الحوفي : لهم جزاء سيئة قال : ودل على تقدير لهم قوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى «١» حتى تشاكل هذه بهذه. وقدره أبو البقاء جزاء سيئة بمثلها واقع، والباء في قولهما متعلقة بقوله : جزاء، والعائد من هذه الجملة الواقعة خبرا عن الذين محذوف تقديره : جزاء سيئة منهم، كما حذف في قولهم : السمن منوان بدرهم، أي منوان منه بدرهم. وعلى تقدير الحوفي : لهم جزاء يكون الرابط لهم. الثاني : أنّ الخبر قوله : ما لهم من اللّه من عاصم، ويكون قد فصل بين المبتدأ والخبر بجملتين على سبيل الاعتراض، ولا يجوز ذلك عند أبي علي الفارسي، والصحيح جوازه. الثالث : أن يكون الخبر كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما. الرابع : أن يكون الخبر أولئك وما بعده، فيكون في هذا القول فصل بين المبتدأ والخبر بأربع جمل معترضة، وفي القول الثالث بثلاث جمل، والصحيح منع الاعتراض بثلاث جمل وبأربع جمل، وأجاز ابن عطية أن يكون الذين في موضع جر عطفا على قوله : للذين أحسنوا، ويكون جزاء مبتدأ خبره قوله : والذين على إسقاط حرف الجر أي : وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، فيتعادل التقسيم، كما تقول : في الدار زيد، والقصر عمرو، أي : وفي القصر عمرو. وهذا التركيب مسموع من لسان العرب، فخرجه الأخفش على أنه من العطف على عاملين. وخرجه الجمهور على أنه مما حذف منه حرف الجر، وجره بذلك الحرف المحذوف لا بالعطف على المجرور، وهي مسألة خلاف وتفصيل يتكلم فيها في علم النحو.
والظاهر أنّ السيئات هنا هي سيئات الكفر، ويدل عليه ذكر أوصافهم بعد. وقيل :
السيئات المعاصي، فيندرج فيها الكفر وغيره. ولهذا قال ابن عطية : وتعم السيئات هاهنا الكفر والمعاصي، فمثل سيئة الكفر التخليد في النار، ومثل سيئات المعاصي مصروف إلى مشيئة اللّه تعالى، ومعنى بمثلها أي : لا يزاد عليها. قال الزمخشري : وفي هذا دليل على أنّ المراد بالزيادة الفضل، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله، ودل بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله انتهى. وقيل : معنى بمثلها أي : بما يليق بها من العقوبات، فالعقوبات تترتب على قدر السيئات، ولهذا كانت جهنم دركات، وكان المنافقون في الدرك