البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥٠
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ «١» فحمد اللّه على ما وهبه من الولد وأكرمه به من إجابة دعائه.
والظاهر إضافة سميع إلى المفعول وهو من إضافة المثال الذي على وزن فعيل إلى المفعول، فيكون إضافة من نصب، ويكون ذلك حجة على إعمال فعيل الذي للمبالغة في المفعول على ما ذهب إليه سيبويه، وقد خالف في ذلك جمهور البصريين، وخالف الكوفيون فيه. وفي إعمال باقي الخمسة الأمثلة فعول، وفعال، ومفعال، وفعل، وهذا مذكور في علم النحو. ويمكن أن يقال في هذا ليس ذلك إضافة من نصب فيلزم جواز إعماله، بل هي إضافة كإضافة اسم الفاعل في نحو : هذا ضارب زيد أمس. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله، ويجعل دعاء اللّه سميعا على الإسناد المجازي، والمراد : سماع اللّه انتهى. وهو بعيد لاستلزامه أن يكون من باب الصفة المشبهة، والصفة متعدية، ولا يجوز ذلك إلا عند أبي علي الفارسي حيث لا يكون لبس.
وأما هنا فاللبس حاصل، إذ الظاهر أنه من إضافة المثال للمفعول، لا من إضافته إلى الفاعل. وإنما أجاز ذلك الفارسي في مثل : زيد ظالم العبيد إذا علم أنّ له عبيدا ظالمين.
ودعاؤه بأن يجعله مقيم الصلاة وهو مقيمها، إنما يريد بذلك الديمومة. ومن ذريتي، من للتبعيض، لأنه أعلم أنّ من ذريته من يكون كافرا، أو من يهمل إقامتها وإن كان مؤمنا. وقرأ طلحة، والأعمش : دعاء ربنا بغير ياء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو : بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم في الوقف. وروى ورش عن نافع : إثباتها في الوصل. والظاهر أنّ إبراهيم سأل المغفرة لأبويه القريبين، وكانت أمه مؤمنة، وكان والده لم ييأس من إيمانه ولم تتبين له عداوة اللّه، وهذا يتمشى إذا قلنا : إن هذه الأدعية كانت في أوقات مختلفة، فجمع هنا أشياء مما كان دعا بها. وقيل : أراد أمه، ونوحا عليه السلام. وقيل : آدم وحواء. والأظهر القول الأول. وقد جاء نصا دعاؤه لأبيه بالمغفرة في قوله : وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ «٢».
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف جاز له أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين؟
(قلت) : هو من تجويزات العقل، لا يعلم امتناع جوازه إلا بالتوقيف انتهى. وهو في ذلك موافق لأهل السنة، مخالف لمذهب الاعتزال. وقرأ الحسين بن علي، ومحمد، وزيد :
ربنا على الخبر.
وابن يعمر والزهري والنخعي : ولولديّ بغير ألف وبفتح اللام يعني :
(٢) سورة الشعراء : ٢٦/ ٨٦.