البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥٣
والسفه. وأن يقولوا بلسان الحال حيث بنوا شديدا، وأملوا بعيدا. وما لكم جواب القسم، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله : أقسمتم، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل : ما لنا من زوال، والمعنى : أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزولون بالموت والفناء، وقيل : لا تنتقلون إلى دار أخرى انتهى. فجعل الزمخشري أو لم تكونوا محكيا بقولهم، وهو مخالف لما قد بيناه من أنه يقال لهم ذلك، وقوله : لا يزولون بالموت والفناء ليس بجيد، لأنهم مقرون بالموت والفناء. وقوله هو قول مجاهد. وسكنتم إن كان من السكون، فالمعنى : أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين بسيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدثونها بما لقي الظالمون قبلهم. وإن كان من السكنى، فإنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعديته بفي كما يقال : أقام في الدار وقر فيها، ولكنه لما أطلق على سكون خاص تصرف فيه، فقيل : سكن الدار كما قيل : تبوأها، وتبين لكم بالخبر وبالمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام. وقرأ الجمهور : وتبين فعلا ماضيا، وفاعله مضمر يدل عليه الكلام أي :
وتبين لكم هو أي حالهم، ولا يجوز أن يكون الفاعل كيف، لأنّ كيف إنما تأتي اسم استفهام أو شرط، وكلاهما لا يعمل فيه ما قبله، إلا ما روي شاذا من دخول على علي كيف في قولهم : على كيف تبيع الأحمرين، وإلى في قولهم : أنظر إلى كيف تصنع، وإنما كيف هنا سؤال عن حال في موضع نصب بفعلنا. وقرأ السلمي فيما حكى عنه أبو عمرو الداني :
ونبين بضم النون، ورفع النون الأخيرة مضارع بين، وحكاها صاحب اللوامح عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، وذلك على إضمار ونحن نبين، والجملة حالية. وقال المهدوي عن السلمي : إنه قرأ كذلك، إلا أنه جزم النون عطفا على أو لم تكونوا أي : ولم نبين فهو مشارك في التقرير. وضربنا لكم الأمثال أي : صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ. فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ. وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ. لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ :
الظاهر أنّ الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله :