البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥٥
ونصب الأخيرة. ورويت هذه القراءة عن علي
، واختلف في تخريجها. فعن الحسن وجماعة أنّ إن نافية، وكان تامة، والمعنى : وتحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار اللّه التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ : وما كان بما النافية : لكنّ هذا التأويل، وما روي عن ابن مسعود من قراءة وما بالنفي، يعارض ما تقدم من القراءات، لأنّ فيها تعظيم مكرهم، وفي هذا تحقيره.
ويحتمل على تقدير أنها نافية أن تكون كان ناقصة، واللام لام الجحود، وخبر كان على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين : أهو محذوف؟ أو هو الفعل الذي دخلت عليه اللام؟ وعلى أنّ إن نافية وكان ناقصة، واللام في لتزول متعلقة بفعل في موضع خبر كان، خرجه الحوفي.
وقال الزمخشري : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وإن عظم مكرهم وتتابع في الشدة بضرب زوال الجبال منه مثلا لتفاقمه وشدته أي : وإن كان مكرهم مستو لإزالة الجبال معدا لذلك. وقال ابن عطية : ويحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم أي : وإن كان شديدا بما يفعل ليذهب به عظام الأمور انتهى. وعلى تخريج هذين تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وكان هي الناقصة. وعلى هذا التخريج تنفق معاني القراءات أو تتقارب، وعلى تخريج النفي تتعارض كما ذكرنا. وقرىء لتزول بفتح اللام الأولى ونصب الثانية، وذلك على لغة من فتح لام كي. والذي يظهر أنّ زوال الجبال مجاز ضرب مثلا لمكر قريش، وعظمه والجبال لا تزول، وهذا من باب الغلو والإيغال والمبالغة في ذم مكرهم. وأما ما روي أن جبلا زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذبا مات، فحملها للحلف، فمكرت بأن رمت نفسها عن الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه عن الدابة، فأركبها زوجها وذلك الرجل، وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما، فنزلت سالمة، وأصبح الجبل قد اندك، وكانت المرأة من عدنان. وما روي من قصة النمرود أو بخت نصّر، واتخاذ الأنسر وصعودهما عليها إلى قرب السماء في قصة طويلة. وما تأول بعضهم أنه عبر بالجبال عن الإسلام، والقرآن لثبوته ورسوخه، وعبر بمكرهم عن اختلافهم فيه من قولهم : هذا سحر هذا شعر هذا إفك، فأقوال ينبو عنها ظاهر اللفظ، وبعيد جدا قصة الأنسر. والنهي عن الحسبان كهو في قوله :
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا «١» وأطلق الحسبان على الأمر المتحقق هنا كما قال الشاعر :