البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٦٦
لا يستبطأ، فإنّ له أجلا لا يتعداه، والمعنى : من أهل قرية كافرين. والظاهر أن المراد بالهلاك هلاك الاستئصال لمكذبي الرسل، وهو أبلغ في الزجر. وقيل : المراد الإهلاك بالموت، والواو في قوله : ولها، واو الحال. وقال بعضهم : مقحمة أي زائدة، وليس بشيء. وقرأ ابن أبي عبلة : بإسقاطها وقال الزمخشري : الجملة واقعة صفة لقرية، والقياس أن لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى : وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ «١» وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال : جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب انتهى. ووافقه على ذلك أبو البقاء فقال : الجملة نعت لقرية كقولك :
ما لقيت رجلا إلا عالما قال : وقد ذكرنا حال الواو في مثل هذا في البقرة في قوله : وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ «٢» انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحدا قاله من النحويين، وهو مبني على أنّ ما بعدا لا يجوز أن يكون صفة، وقد منعوا ذلك. قال : الأخفش لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم، قال : ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره : إلا رجل راكب، وفيه قبح بجعلك الصفة كالإسم. وقال أبو علي الفارسي : تقول ما مررت بأحد إلا قائما، فقائما حال من أحد، ولا يجوز إلا قائم، لأنّ إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف. وقال ابن مالك : وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله : في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه، أنّ الجملة بعد إلا صفة لأحد، أنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي، فلا يلتفت إليه. وأبطل ابن مالك قول الزمخشري أنّ الواو توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف. وقال القاضي منذر بن سعيد : هذه الواو هي التي تعطي أنّ الحالة التي بعدها في اللفظ هي في الزمن قبل الحالة التي قبل الواو، ومنه قوله تعالى : إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «٣» انتهى.
والظاهر أنّ الكتاب المعلوم هو الأجل الذي كتب في اللوح وبين، ويدل على ذلك ما بعده. وقيل : مكتوب فيه أعمالهم وأعمارهم وآجال هلاكهم. وذكر الماوردي : كتاب معلوم أي : فرض محتوم، ومن زائدة تفيد استغراق الجنس أي : ما تسبق أمة، وأنث أجلها على لفظ أمة وجمع وذكر في وما يستأخرون حملا على المعنى، وحذف عنه لدلالة الكلام عليه.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٢١٦.
(٣) سورة الزمر : ٣٩/ ٧١. [.....]