البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٧٠
والظاهر أنّ الضمير في فظلوا عائد على من عاد عليه في قوله : عليهم، أي : لو فتح لهم باب من السماء، وجعل لهم معراج يصعدون فيه لقالوا : هو شيء تتخيله لا حقيقة له، وقد سخرنا بذلك. وجاء لفظ فظلوا مشعرا بحصول ذلك في النهار ليكونوا مستوضحين لما عاينوا، على أنّ ظل يأتي بمعنى صار أيضا. وعن ابن عباس أنّ الضمير في فظلوا يعود على الملائكة لقولهم : لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ «١» أي : ولو رأوا الملائكة تصعد وتنصرف في باب مفتوح في السماء لما آمنوا.
وقرأ الأعمش، وأبو حيوة : يعرجون بكسر الراء، وهي لغة هذيل في العروج بمعنى الصعود. وجاء لفظ إنما مشعرا بالحصر، كأنه قال : ليس ذلك إلا تسكيرا للأبصار. وقرأ الحسن، ومجاهد، وابن كثير : سكرت بتخفيف الكاف مبنيا للمفعول، وقرأ باقي السبعة :
بشدها مبنيا للمفعول. وقرأ الزهري : بفتح السين وكسر الكاف مخففة مبنيا للفاعل، شبهوا رؤية أبصارهم برؤية السكران لقلة تصوره ما يراه. فأما قراءة التشديد فعن ابن عباس وقتادة منعت عن رؤية الحقيقة من السكر، بكسر السين وهو الشد والحبس. وعن الضحاك شدّت، وعن جوهر جدعت، وعن مجاهد حبست، وعن الكلبي عميت، وعن أبي عمرو غطيت، وعن قتادة أيضا أخذت، وعن أبي عبيد غشيت. وأما قراءة التخفيف فقيل :
بالتشديد، إلا أنه للتكثير، والتخفيف يؤدي عن معناه. وقيل : معنى التشديد أخذت، ومعنى التخفيف سحرت. والمشهور أن سكر لا يتعدى. قال أبو علي : ويجوز أن يكون سمع متعديا في البصر. وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال : سكرت أبصارهم إذا غشيها سهاد حتى لا يبصروا. وقيل : التشديد من سكر الماء، والتخفيف من سكر الشراب، وتقول العرب : سكرت الريح تسكر سكرا إذا ركدت ولم تنفذ لما انتفت بسبيله، أولا وسكرا الرجل من الشراب سكرا إذا تغيرت حاله وركد ولم ينفذ فيما كان للإنسان أن ينفذ فيه. ومن هذا المعنى سكران لا يبت أي : لا يقطع أمرا. وتقول العرب : سكرت في مجاري الماء إذا طمست، وصرفت الماء فلم ينفذ لوجهه. فإن كان من سكر الشراب، أو من سكر الريح، فالتضعيف للتعدية. أو من سكر مجاري الماء فللتكثير، لأنّ مخففة متعد.
وأما سكرت بالتخفيف فإن كان من سكر الماء ففعله متعد، أو من سكر الشراب أو الريح فيكون من باب وجع زيد ووجعه غيره، فتقول : سكر الرجل وسكره غيره، وسكرت الريح وسكرها غيرها، كما جاء سعد زيد وسعده غيره. ولخص الزمخشري في هذا فقال :