البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٧٤
ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والأنعام به، فتكون الخزائن وهي ما يحفظ فيه الأشياء مستعارة من المحسوس الذي هو الجسم إلى المعقول. وقال قوم : المراد الخزائن حقيقة، وهي التي تحفظ فيها الأشياء، وأن للريح مكانا، وللمطر مكانا، ولكل مكان ملك وحفظة، فإذا أمر اللّه بإخراج شيء منه أخرجته الحفظة. وقيل : المراد بالشيء هنا المطر، قاله ابن جريج.
وقرأ الأعمش : وما نرسله مكان وما ننزله، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف. وعن ابن عباس، والحكم بن عيينة : أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، ولكنّ اللّه تعالى ينزله في مواضع دون مواضع. ولواقح جمع لاقح، يقال : ريح لاقح جائيات بخير من إنشاء سحاب ماطر، كما قيل للتي لا تأتي بخير بل بشر ريح عقيم، أو ملاقح أي : حاملات للمطر. وفي صحيح البخاري : لواقح ملاقح ملقحة.
وقال عبيد بن عمير : يرسل اللّه المبشرة تقم الأرض قمائم المثيرة، فتثير السحاب. ثم المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث اللّه اللواقح فتلقح الشجر. ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس كما قالوا : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وسقى وأسقى قد يكونان بمعنى واحد. وقال أبو عبيدة : من سقى الشفة سقى فقط، أو الأرض والثمار أسقى، وللداعي لأرض وغيرها بالسقيا أسقى فقط. وقال الأزهري : العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام، ومن السماء، أو نهر يجري : أسقيته، أي جعلته شربا له، وجعلت له منه مسقى. فإذا كان للشفة قالوا : سقى، ولم يقولوا أسقى. وقال أبو علي : سقيته حتى روي، وأسقيته نهرا جعلته شربا له. وجاء الضمير هنا متصلا بعد ضمير متصل كما تقدم في قوله :
أَنُلْزِمُكُمُوها «١» وتقدم أنّ مذهب سيبويه فيه وجوب الاتصال. وما أنتم له بخازنين أي :
بقادرين على إيجاده، تنبيها على عظيم قدرته، وإظهار العجز. هم أي : لستم بقادرين عليه حين احتياجكم إليه. وقال سفيان : بخازنين أي بمانعين المطر. نحيي : نخرجه من العدم الصرف إلى الحياة. ونميت : نزيل حياته. ونحن الوارثون الباقون بعد فناء الخلق.
والمستقدمين قال ابن عباس والضحاك : الأموات، والمستأخرين الأحياء. وقال قتادة وعكرمة وغيرهما : المستقدمين في الخلق والمستأخرين الذين لم يخلقوا بعد. وقال مجاهد : المستقدمين من الأمم والمستأخرين أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الحسن وقتادة أيضا :