البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٧٧
سبيل التشريف نحو : بيت اللّه، وناقة اللّه، أو الملك إذ هو المتصرف في الإنشاء للروح، ولمودعها حيث يشاء. وقعوا له أي : اسقطوا على الأرض. وحرف الجر محذوف من أن أي : ما لك في أن لا تكون. وأي : داع دعا بك إلى إبائك السجود. ولا سجد اللام لام الجحود، والمعنى : لا يناسب حالي السجود له. وفي البقرة نبه على العلة المانعة له وهي الاستكبار أي : رأى نفسه أكبر من أن يسجد. وفي الأعراف صرح بجهة الاستكبار، وهي ادعاء الخيرية والأفضلية بادعاء المادة المخلوق منها كل منهما. وهنا نبه على مادة آدم وحده، وهنا فاخرج منها وفي الأعراف : فَاهْبِطْ مِنْها «١» وتقدم ذكر الخلاف فيما يعود عليه ضمير منها. وقد تقدمت منها مباحث في سورة البقرة، والأعراف، أعادها المفسرون هنا، ونحن نحيل على ما تقدم إلا ما له خصوصية بهذه السورة فنحن نذكره.
فنقول : وضرب يوم الدين غاية للعنة، إما لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم، وإما أن يراد أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه. ويوم الدين، ويوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، واحد. وهو وقت النفخة الأولى حتى تموت الخلائق. ووصف بالمعلوم إما لانفراد اللّه بعلمه كما قال : قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي «٢» إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «٣» أو لأنه معلوم فناء العالم فيه، فيكون قد عبر بيوم الدين، وبيوم يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، بما كان قريبا من ذلك اليوم. قال الزمخشري : ومعنى إغوائه إياه نسبته لغيه، بأن أمره بالسجود لآدم عليه السلام، فأفضى ذلك إلى غيه. وما الأمر بالسجود الأحسن، وتعريض للثواب بالتواضع، والخضوع لأمر اللّه، ولكن إبليس اختار الإباء والاستكبار فهلك، واللّه تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضا به انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
والضمير في لهم عائد على غير مذكور، بل على ما يفهم من الكلام، وهو ذرية آدم.
ولذلك قال في الآية الأخرى : لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «٤» والتزين تحسين المعاصي لهم ووسوسته حتى يقعوا فيها في الأرض أي : في الدنيا التي هي دار الغرور لقوله تعالى : أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ «٥» أو أراد أني أقدر على الاحتيال

(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٨٧.
(٣) سورة لقمان : ٣١/ ٣٤. [.....]
(٤) سورة الإسراء : ١٧/ ٦٢.
(٥) سورة الأعراف : ٧/ ١٧٦.


الصفحة التالية
Icon