البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٨٦
كبره وكبر امرأته، وتقدم ذكر سنه وقت البشارة. وبالحق أي باليقين الذي لا لبس فيه، أو بالطريقة التي هي حق، وهي قول اللّه ووعده وأنه قادر على أن يوجد ولدا من غير أبوين، فكيف من شيخ فان، وعجوز عاقر. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، ورويت عن أبي عمرو : من القنطين، من قنط يقنط. وقرأ النحويان والأعمش : ومن يقنط، وفي الروم والزمر بكسر النون، وباقي السبعة بفتحها، وزيد بن علي والأشهب بضمها. وهو استفهام في ضمنه النفي، ولذلك دخلت إلا في قوله : إلا الضالون وقولهم له : فلا تكن من القانطين نهي، والنهي عن الشيء لا يدل على تلبس المنهي عنه به ولا بمقارنته. وقوله : ومن يقنط ردّ عليهم، وأن المحاورة في البشارة لا تدل على القنوط، بل ذلك على سبيل الاستبعاد لما جرت به العادة. وفي ذلك إشارة إلى أنّ هبة الولد على الكبر من رحمة اللّه، إذ يشد عضد والده به ويؤازره حالة كونه لا يستقل ويرث منه علمه ودينه.
قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ : لما بشروه بالولد راجعوه في ذلك، علم أنهم ملائكة اللّه ورسله، فاستفهم بقوله : فما خطبكم؟ الخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد، فأضافه إليهم من حيث أنهم حاملوه إلى أولئك القوم المعذبين. ونكر قوما وصفتهم تقليلا لهم واستهانة بهم، وهم قوم لوط أهل مدينة سدوم والمعنى : أرسلنا بالهلاك. وإلا آل لوط : يحتمل أن يكون استثناء من الضمير المستكن في مجرمين والتقدير : أجرموا كلهم إلا آل لوط، فيكون استثناء متصلا، والمعنى : إلا آل لوط فإنهم لم يجرموا. ويكون قوله : إنا لمنجوهم أجمعين، استئناف إخبار عن نجاتهم، وذلك لكونهم لم يجرموا، ويكون حكم الإرسال منسحبا على قوم مجرمين وعلى آل لوط لإهلاك هؤلاء، وإنجاء هؤلاء. والظاهر أنه استثناء منقطع، لأنّ آل لوط لم يندرج في قوله : قوم مجرمين، لا على عموم البدل، لأنّ وصف الإجرام منتف عن آل لوط، ولا على عموم الشمول لتنكير قوم مجرمين، ولانتفاء وصف الإجرام عن آل لوط. وإذا كان استثناء منقطعا فهو مما يجب فيه النصب، لأنه من الاستثناء الذي لا يمكن بوجه العامل على المستثنى فيه، لأنهم لم يرسلوا إليهم أصلا، وإنما أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة.
ويكون قوله : إنا لمنجوهم