البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٩
حال، والشركاء الشياطين أو الملائكة أو الأصنام أو من عبد من دون اللّه كائنا من كان أربعة أقوال. ومن قال : الأصنام، قال : ينفخ فيها الروح فينطقها اللّه بذلك مكان الشفاعة التي علقوا بها أطماعهم. وروي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«أن الكفار إذا رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم : اتبعوا ما كنتم تعبدون، فيقولون واللّه لإياكم كنا نعبد، فتقول الآلهة :
فكفى باللّه شهيدا»
الآية. قال ابن عطية : فظاهر هذه الآية أنّ محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى ابن مريم، بدليل القول لهم : مكانكم أنتم وشركاؤكم، ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم : إن كنا عن عبادتكم لغافلين. وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم. ومكانكم عده النحويون في أسماء الأفعال، وقدر بأثبتوا كما قال :
وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي
أي اثبتي. ولكونها بمعنى اثبتي جزم تحمدي، وتحملت ضميرا فأكد وعطف عليه في قوله : أنتم وشركاؤكم. والحركة التي في مكانك ودونك، أهي حركة إعراب، أو حركة بناء تبتني على الخلاف الذي بين النحويين في أسماء الأفعال؟ ألها موضع من الإعراب أم لا؟
فمن قال : هي في موضع نصب جعل الحركة إعرابا، ومن قال : لا موضع لها من الإعراب جعلها حركة بناء. وعلى الأول عول الزمخشري فقال : مكانكم الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم. واختلفوا في أنتم، فالظاهر ما ذكرناه من أنه تأكيد للضمير المستكن في مكانكم، وشركاؤكم عطف على ذلك الضمير المستكن وهو قول الزمخشري قال : وأنتم أكّد به الضمير في مكانكم لسده مسد قوله : الزموا وشركاؤكم عطف عليه انتهى. يعني عطفا على الضمير المستكن، وتقديره : الزموا، وأنّ مكانكم قام مقامه، فيحمل الضمير الذي في الزموا ليس بجيد، إذ لو كان كذلك لكان مكانك الذي هو اسم فعل يتعدى كما يتعدى الزموا. ألا ترى أن اسم الفعل إذا كان الفعل لازما كان اسم الفعل لازما، وإذا كان متعديا كان متعديا مثال ذلك : عليك زيدا لما ناب مناب، الزم تعدى.
وإليك لما ناب مناب تنح، لم يتعد. ولكون مكانك لا يتعدى، قدره النحويون اثبت، واثبت لا يتعدى. قال الحوفي : مكانكم نصب بإضمار فعل أي : الزموا مكانكم أو اثبتوا.
وقال أبو البقاء : مكانكم ظرف مبني لوقوعه موقع الأمر، أي الزموا انتهى. وقد بينا أن تقدير الزموا ليس بجيد، إذ لم تقل العرب مكانك زيدا فتعديه، كما تعدى الزم. وقال ابن عطية :